عجباّ لبعض الفنانين من صنيعهم وصناعتهم، لم يكتفوا بالإشارة لهم بالبنان.. بل عمدوا أو اتجهوا إلى قوالب أخرى وتشعبات شتى تشعرهم أنهم مازالوا في الواجهة وفي المقدمة.. وكأني بهم أو حالهم الآني قد استوفوا واستنفذوا جلّ طاقاتهم في عالم التمثيل والتشخيص، وقل إن شئت استهلكت من قبل حناجرهم الكلمات، وبحت في أصواتهم الآهات..
نعم اتجهوا منهجاً آخر.. وسلكوا مناهل أخرى، لا تخطر على بال، وحتى من جموع الجماهير التي أحبتهم وأعمالهم.. نعم إن كثيراً ممن تملكهم الإعجاب بشخوصهم وفنونهم إذا ما سمعوا أن أحدهم سوف يقوم في عمل ورشة فنية.. تراهم يهرعون فرادى وجماعات بسبب تعطشهم لمعرفة الشخصية الفنية ومشاهدتها عن قرب.
بيد أن الإشكالية في الطرح، ترى على هذا النحو: إن فناناً ما.. سيقدم دورة تدريبية أولية لصناعة الممثل المبتدئ، وآخر يستشرف دورة تكميلية في اختصاص الممثل في كيفية مواجهة الكاميرا السينمائية، وآخر يبرز الحركات واللقطات الطريفة في صياغة محاكاة الحوار التلفزيوني المباشر.. ومن ثَم فنان آخر يطل علينا في دورة تدريبية، في كيفية تشخيص السيناريو الورقي تجسيداً على خشبة المسرح أو في الهواء الطلق.. كي يخرج العمل الفني عفوياً حقيقياً غير مبتذل مصطنع..
والسؤال المطروح في حينه وذاتيته.. هل نبض الفن عند أولئك الفنانين؟ سواء من ناحية التمثيل أو فنون الغناء والتأليف الموسيقي ومحاكاة المسرح.. لا شك ربما يكون هذا المنحى.. استحواذ على ذهنية بعض الفنانين والبحث عن مردود مادي يؤمن لهم عيشاً كريماً.. وهذا النهج لا غبار عليه، ويجب تشجيع هؤلاء الفنانين ونمنحهم طرق شتى لها ديمومة البحث عن الإبداع والأفضل في عالم الفنون برمتها، سواء على الصعد الفنية التجارية التي حتما تتضافر مع المحتوى الجيد والأطر السليمة التي تحث على الفضائل في المجتمعات عامة، وأن يعطى لهم مردود مادي نفعي.
أسئلة محيرة في وجدان المفكرين، وتتجاذب رؤاها في خلد الجمهور.. ومن يناوشهم من كتاب، أدباء، مفكرين وشعراء ورسامين وغيرهم ممن ينتسبوا الى عالم الإبداع والفنون.
وعود على بدء.. في استشعار بعض النجوم الكبار، والذي يطلق عليهم (الزمن الجميل) برغم أنني لا أستحسن تلك العبارة.. فكل زمن جميل له ميزاته وخصائصه، ولا بأس أن نسمع فناناً أو مطرباً أو ممثلاً يتماهي في تقديم أنموذج فني ويعطي دروساً ودورات للجمهور مقابل مردود مادي.. بحيث تظل مظلة صيرورة الفن الراقي في أوجها وهالاتها..
والمطلوب من أهل الفكر والثقافة والإبداع أن يراعوا تلك الفئة من الفنانين على اختلاف مشاربهم وفنونهم، خاصة من الناحية المادية وأن يقدموا لهم العون والمساعدة في استقطاب الجماهير لحضور تلك الدورات والورش في أريحية وحب، بحيث تكون أسعار تلك الورش والندوات تحت السقف المادي المعقول كي يمكن الكثير من التماهي مع ممثلهم أو مطربهم والموسيقار المحبوب، خاصة الذي يشنف الأسماع في حب التراث، ويرى الفنان وجهاً لوجه من دون رتوش ومواعيد سابقة مع الجمهور.
إذاً.. لا لوم أن عكف بعض الفنانين المخضرمين والمعاصرين في عمل دورات تخصصية يرتجى منها صقل المواهب الواعدة.. من أجل رفعة الفن وعودة أصوله إلى العهود السابقة، التي تعرف بالعصر الذهبي الألمعي في شتى المشارب الثقافية الفنية المبدعة.. نعم الفن الراقي يظل ويبقى خالداً مرموقاً مهما تعاقبت عليه السنون والأيام والأحداث.. ويا أيها الفنان الملتزم أقدم في خطواتك.. لا تخشَ شيئاّ وافتح لنا أبواب الفن الأصيل الذي تحمد عقباه والذي يرتجى منه الثقل، ويرتقي بالإنسان الكائن الحي.. إنه الفن الباقي الملازم لحيواتنا في بوتقة من الإبداع والتماهي إلى ما شاء الله..
لذا لا بأس أن يعطي الفنان دورات فنية تحاكي اختصاصه، سواء أكان مطرباً.. ممثلاً، موسيقياً أو من كتاب السيناريو.. وغيرهم.. لنفتح المجال أمام عقولهم.. فهم أهل الخبرة والمعرفة والنماء والبناء.. هم فنانون موهوبون بالفطرة، هنيئاً لهم ويا مرحى وهلا في صنيعهم وصناعاتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.