أحمد عواد إبراهيم *
اليوم أفطرت عند صديقي "أبو متعب" - تحت بند الإحراج فقط - إذ تكلف عناء المجيء إليّ قبيل الإفطار.. وفي الطريق إلى منزله قرر المرور إلى مخابز "وودن بكري" الشهيرة لشراء القطايف.. حتى يعوض ما فقده من حريرات أثناء نهار الصوم.. فهو من أنصار مقولة أن اليوم الأول دائماً (چاتين ) .. والجسم يكون بحاجة إلى السوائل و(الكالوريات) التي يفقدها.
ما إن خرج صاحبي من الباب حاملاً قطايفه وقبل أن يفتح الباب "الورّاني" كي يضع المشتريات.. حتى فوجئنا بـ"عركة" - عند الله علمها - بين صائمين يبدو أن أحدهما قد أوقف سيارته خلف سيارة الآخر.. وبدأ العراك اللفظي الرمضاني.. واحد ينعت الثاني بـ(يالخنيث).. ويرد عليه الآخر بـ (كول زگ).. وأبو متعب يحوقل ويستغفر.. ويحاول تهدئة "المتلاطعين" بعبارات مثل: استهدوا بالرحمن.. صلوا عالنبي يا أخوان بهالشهر الفضيل.. والجماعة عمك أطرش.. فيضطر أبو متعب لأن يدحس راسه داخل السيارة ليردد بصوت منخفض: اللهم إني صايم.. بينما الجماعة لازالوا في سجالهم الرمضاني: ياخنيث.. يامخنز.. كول زگ..
مع تصعيد لغة الشجار تدخل فاعل خير من جنسية عربية وأظنه من الشقيقة مصر، وكان ملتحياً جداً.. ولطعة سمراء تتوسط جبينه - من كثرة السجود والله أعلم - حاول فاعل الخير تهدئة النفوس بعبارات رصينة مخلوطة بثلاث نكهات؛ الفصيح والخليجي والمصري.. كقوله: هو حصل إيه يا (گماعة)، ما تستهدوا بالله.. حنا بشهر خير وبركة.. لا حرمنا الله وإياكم صيامه وقيامه.. وعندما حاول الاقتراب من أحدهم فوجئ به يقول له: أقول يا مطوع أنت وشكلك، اركب موترك ولا تكثر بربرة.. والحقيقة أن الرجل فوراً.. وراء در.. وكفى الله الصائمين شر البهدلة.
أما صديقي أبو متعب، فقد وقع هو الآخر في الفخ.. إذ تكومت خلفنا السيارات، منها ما وقف أصحابها بدافع الفضول، ومنها ما وقف أصحابها بدافع التدخل لفض الاشتباك.. والكثير توقف بسبب الاختناق المروري أو لشراء القطايف أيضاً.. فضاع الحابل بالنابل.. وأبو متعب كل دقيقتين والثالثة يسألني: أي ساعة يوذن.. بينما العبدلله يحاول كبت ضحكته التي تدغدغها عبارات المتلاطعين من جهة، وحيرة وارتباك صاحبي الذي يبدو أنه خرمان على السيكارة.. وراصه الجوع حتى لاعن "سلسفيلو".. عدا عن الاتصالات المنزلية التي استعوقته، فكان يرد: قريب.. قريب.. ويغلق الجوال..
أذّن المغرب ونحن في حشرتنا العجيبة تلك.. فانطلق أبو متعب يبحث عن الشباب الذين يوزعون قوارير الماء والتمر للناس في الشوارع.. ثم عاد بقارورتين وعدة تمرات.. وجلس على مقعد السائق يكرع الماء بعد الدعاء.. ثم تناول "صفط القطايف".. ولطع ثلاث حبات على جناح السرعة.. ويده الثانية تفتح الجوال ليرد على أحد أولاده: يا ثور علقانين بزحمة، ما تفهم أنت.. كل زگ وقفل.. شوي وجاي.
طلبت من الحبيب أن يعيدني إلى السكن باعتبار أننا أفطرنا رفقة ونال أجر إفطار صائم.. نزلت وأبو متعب يؤكد علي بـ"لحاحة مؤمن": على الفطور غداً معاً.. مردداً: اليوم فطورنا كان زگ.. بسبة عيال هالحرام.. وبينما كنت أبتعد عن السيارة ناداني صاحبي: تعال تعال خذ حصتك من القطايف.. أومأت له بيدي، وتابعت: إلى الملتقى بحول الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.