محمد عوض الجشي: أنطوان كرباج.. ابتسامته تحير العقول - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الثلاثاء، 18 مارس 2025

محمد عوض الجشي: أنطوان كرباج.. ابتسامته تحير العقول

 


محمد عوض الجشي

الكتابة عن فرد معين وعن شخصه وشخوصاته ليس بالأمر اليسير.. وربما تقترب إلى حد التماس الذهني، حيث الإقدام أو الإحجام.. خاصة إن كانت بينكما معرفة من طرف أغر.. كما هي حالتي، أعرفه ولا يعرفني.. بيد أن السنين والأعوام التي اجترحت حيواتنا لا بد أن تسترجع بعضاً من ذكريات مضت، مما يعزز مواقف تبقى في خلد الذاكرة، مهما مر عليها الزمان واجتز في طيات جدرانها كثيرٌ من الآمال والآلام.. وكم راودني حلمٌ أن تبسم الزمان يوماً ما.. لربما التقيت بشخصية فريدة مبدعة، لها باع كبير في المسرح والإخراج والتلفزة، حيث جمع الفنون برمتها بشكل احترازي له بصمة لا يستطيع أحد أن يملأ فراغها.

أنطوان كرباج.. الممثل والمخرج المسرحي اللبناني المعروف، الهامة العملاقة التي تعتصر شخصية الإنسان الكائن الفرد، في مسمع هذا الكون الواسع الشاسع.. لا بد أن ننزل من كبواتنا ونستعيذ (بالشرنوفة) التي أزكمت أنوفنا أزمنة وأعوام. وحاولت تلك الشرانيف أن تنسينا الماضي وتئز بنا في حواضر لا شواطئ فيها ولا حتى رمال.. أصبحنا في محنة بحار لجية طينية ضحلة، من دون مسار أو طيف من نهار.

نعم.. يظل مثول المشخصاتي الذي يعرف بالممثل المسرحي – التلفزيوني – الإذاعي – السينمائي.. وحتى المسرحي المتنقل.. في عيون المبدعين والقائمين على رفد الفنون الأدبية والعلمية بمختلف مشاربها ومشاريعها. إنها ثقة وثقافة الشعوب على مر التاريخ طالما تبقى الشعلة مضاءة في أرجاء المعمورة تُعلم ونتعلم نستسقي ونُسقى.. نمضى ويمضي العمر إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

ونظراً لمكانة أنطوان كرباج في لبنان وسائر الوطن العربي وبلاد المهجر.. فإنني أستميح القراء الأعزاء بالحديث عن ذكرى جمعتني بهذا العبقري تقريبا في منتصف السبعينيات، في مدينة صيدا اللبنانية وبالتحديد في شاطئ القلعة البحرية.. حيث حضر مع عدد من الممثلين اللبنانيين لتصوير مشاهد بحرية في زورق مزركش تعلوه أرزة لبنان، حقاً كان المشهد رائعاً صافياً بديعاً. تقدمت إلى حيث وقف المخرج وبعض الممثلين من كلا الجنسين. وأذكر يومها أني كنت أرتدي ملابس تليق بممثل جديد. مما أفسح المجال لأن أتقدم وأتخطى الجموع ظناً منهم أني أحد الممثلين.. 

وصلت إلى حيث يجلس أنطوان كرباج وبجانبه أحد الممثلين واسمه سمير درويش، وما لفت نظري التواضع والاستقبال الحار الذي لمسته من أنطوان وزملائه.. حفاوة كرم وحديث سلس واهتمام.. أنا أسال وأنطوان يجيب بكل أريحية وصدق وعفوية. لم يتكلف أو يبدِ تذمراً واستياء.. نعم لم أشعر أنني أثقلت عليه أو كنت ضيفاً غير مرغوب فيه. دائماً أرى ابتسامة ترتسم على شفتيه. ما أروع تلك الهامة التي تستوعب الآخر في لهجته في كينونته في صوته في حركته. إنها دماثة وحسن خلق وروية وعين البشاشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. وبعد تلك الصور (البانورامية) التي تجتاحني وتعود بي إلى أعوام خلت أتذكر أنطوان كرباج.. إن الممثل الحقيقي هو الذي ينزل إلى الناس ويصطف مع الجماهير ليكون واحداً منهم.. أخاً أباً أستاذاً صديقاً وفياّ مخلصاً.. إنه حقا أنطوان كرباج الإنسان الإنسان.. وما أجل وأحلى أن يقام في لبنان مسرح يخلد اسمه وذكراه.. (مسرح أنطوان كرباج) الذي ما فتئت ابتساماته تحير العقول وتأخذ الألباب في أنشودة بديع قشيب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.