أحمد عواد إبراهيم *
(كانت صكوك الغفران تباع من قبل الرهبان بلتر ويسكي) ويل ديورانت في قصة الحضارة.
ما أصعب ان تُعمل سكينك بلحمك.. تراقب دمك ينزف، بينما يتحول الوجود في عينك إلى جرح نازف. وما أقسى أن تحاول فقأ عين العاصفة، ويرتد المخرز إلى عينك، فيبدو العالم من حولك مجرد ثقب أسود.. مقبرة تبتلع الأحلام والأماني والطموحات. بل ما أبشع أن تجد نفسك ممزقاً بين قناعاتك وأفكارك ورؤاك.. وبين واقع يحملك ما لاطاقة لك به.. كأنه موت الـ"بين.. بين".. كأنه منفى تحار في تعريفه.. أهو منفى اختياري ذهبت إليه مطمئن البال، معتزلاً كل تفاهات الواقع، أم أنك قُذفت فيه رغماً عن أنفك؟
الله يا وجع الكتابة.. عندما تصير كل كلمة خنجراً في خاصرة اللغة.. وكل حرف مجرد قيح في حنجرة التعبير.. لكن ماذا نفعل عندما نجد أنفسنا تائهين كالأطباء بين مرضى مجانين؟ أنلعب لعبة الحظ، بينما تنفلت من بين أصابعنا خيوط اللعبة.. فتُحبط توقعاتنا بين الدهشة والتساؤل.. وليعذرني من يقرأ هذا الكلام، فمنذ أن اكتشفت رغبتي في الكتابة، وأنا أُحمّل اللغة عبء هذه الانفعالات، وهي انفعالات أعتز بها على علاتها وعلى اعوجاجها وهذيانها وجنونها، في عالم نصف مجنون ونصف دائخ.. فكم يلزمني من نواب حتى أعطيه حنجرتي، ليصرخ: يا هذا الواقع.. يا عاهر.. يا أبناء آوى.. لملموا (خواجيكم) وارحلوا عنا.. آن الآن أن ترحلوا.. ارحلوا، فكل وجه يذكرني بـ"غلادستون" البريطاني الذي وقف في مجلس العموم البريطاني، رافعاً القرآن الكريم قائلاً: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق.. وبعده جاء فيلسوف إشراقي ليقول: علينا أن نترك الأغصان تقتلع الجذور. وتلاه من قال: سنقتلهم بأيادي أولادهم.
هل أزيد.. يا قراء الطالع والفناجين وضاربي المندل؟ هل أدلكم على مواطن استغفالكم واستحماركم ومن أي (بايكة) يتم علفكم؟ أي شعير تسفون.. حتى تكفروا بعروبة كانت لأجدادكم التزاماً بالماضي والراهن والمستقبل؟ ومن الذي أفهمكم أن هناك تناقضاً بين الدولة القطرية والهوية العربية؟ إنه الشعير المغشوش، ولاشك.. وهل يمكن بناء دولة إلا على الموجود والحتمي؟.. والعروبة أصلاً تتجاوز الدين وقبل الدين.. يا تنابل السلطان.. فمن خولكم وأعطاكم صك الملكية على دين الدولة ولسانها؟ لا أحد سوى ذلتكم.. ومطامعكم ومصالحكم الضيقة الخاصة..
وفي النهاية ستكتشفون أنكم (ممشة زفر).. وكل واحد فيكم يحمل في داخله ابن العلقمي.. لكن الرقة ليست بغداد.. ولا المستعصم فينا.. وكلكم أبو رغال، وستُرجمون أحياء وأمواتاً.. ترى هل نحدثكم بـ"العبرية" الفصحى؟
نصيحة أخيرة.. لكل عربي من مدينة الرقة لديه اعتراض على عروبة البلاد وديانة الحاكم، أن يستحلف أمه، وإن شك بقسمها، فليحلل حمضه النووي.. فمن يوم ضياع الطاسة (ماعاد نعرف ابن الحلال من ابن الحرام).. ولله عاقبة الأمور.
* كاتب وفنان تشكيلي سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.