أحمد حمزة: لمَ الصوم، وهل هناك فرق بين الصوم والصيام - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

السبت، 15 مارس 2025

أحمد حمزة: لمَ الصوم، وهل هناك فرق بين الصوم والصيام

 



أحمد حمزة *

لمَ نصوم؟ الإجابة الشافية الكافية لهذا السؤال هي ببساطة أن الله أمرنا بذلك نقطة، حينما قال -عز وجل- (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ).. إذن، الصيام فُرض، ليس على المسلمين فقط، بل على أمم قبلنا. ولم تُذكر الكيفية: أهو كصيامنا أم مختلف عنه؟

وذكر الله هذا؛ حتى يهوّن علينا ما في الصيام من مشاق، وكي يحدث الشوق أيضاً حينما أتبع بالآية بـ (أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ا⁠تࣲۚ) فالصيام المفروض هو صيام رمضان، وأيامه معدودة تجري سريعاً؛ فاغتنم ما فيه من نفحات. والصيام مفروض على غيركم من الأمم التي سبقتكم.

والله تعالى لم يتوقف عند هذا الحد بل أعطانا إجابة لسؤال لماذا نصوم غير أنه أمر إلهي؛ فإذا أكملنا الآية التي ذكرتها سابقاً نجد نهايتها {لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} إذن نحن نصوم لأنه أمر من الله وحتى نتقيه ونخشاه.

وقبل أن نتحدث عن ومضة هذه الآية يجب أن تعرف أولاً ما الصيام؟ وما الفرق بين الصوم والصيام؟

الصيام مصدر من صام، فيُقال صام صياماً كما يُقال قام قياماً. 
كذلك الصوم مصدر من صام، فيُقال صام صوماً كما يُقال قال قولاً؛ إذن كلاهما مصدران (الصيام والصوم).
وفي القرآن ذكر الله لفظ صيام 9 مرات، والصيام لغة يعني: الإمساك والترك، واصطلاحاً يعني: ترك المفطرات والإمساك عنها من طلوع الفجر حتى الغروب.

في حين ذُكر لفظ صوم في موضع واحد هو (فَقُولِیۤ إِنِّی نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ صَوۡمࣰا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡیَوۡمَ إِنسِیࣰّا). إذن الصوم لغة يعني: الصمت والسكوت. واصطلاحاً يتشابه مع الصيام فكلا المصدرين يعنيان الإمساك والترك عن المفطرات في حال ووقت معين. وبالإضافة إلى ذلك قد اختار الله عزّ وجلّ في كتابه لفظ "الصيام" على قالَب "فِعال" لا لفظ "الصوم" على قالَب "فَعْل" للدلالة على هذه الفريضة. ومتى ذُكر "الصيام" في القرآن عرفنا أنّه الصيام المعروف بأحكامه هذه، لا مجرّد الإمساك عن شيء ما. واختيار لفظ "الصيام" على قالَب "فِعال" يدلّ على بلاغة القرآن ودقّته؛ لأنّ الزيادة في المبنى زيادةٌ في المعنى كما تعرف.. وفي السنة النبوية يتقارب المصدران (صيام - صوم) في الاستخدام كثيراً.

نعود لآية (كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ) حتى آخرها (لعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ).. ما التقوى إذن التي هي الغاية من الصيام؟

المعاصي قسمان: قسم ينفع في تركه التَّفكُّر كسرقة مثلاً أو الكذب. وقسم آخر ينشأ عن أسباب طبيعية كالغضب والشهوة فيصعب تركها بمجرد التّفكُ؛ لابد من وسيلة لاتقائها وهذا ما يفعله الصيام أو الصوم.

فالصيام يكسر حدة الشهوة، ويقمع الهوى؛ ويردع عن مقارفة السوء، ويخرج العبد من عبادة هواه إلى عبادة إله يهواه؛ لذا يُقال الصيام جُنّة أي وقاية.

فعندما تمسك عن كل ما لذ وطاب من الطعام على سبيل المثال وهو في مقدورك؛ لأجل الله وحده فهذا تحرر من قيود الغريزة، ولهذا فالصيام العمل الوحيد الذي لله دون سائر الأعمال كما في الحديث "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به".

ويجب ألا تغفل عن أن صوم رمضان رابع ركن من أركان الإسلام. وهو بمثابة موسم يثقل فيه الشخص منا إيمانه، ويجدد فيه عهده مع الله.

واختص الله باباً في الجنة لا يدخله إلا الصائمون يُقال له الريان. وهذا خير جزاء لهم على تحملهم مشاقة ترك الغرائز والشهوات في الحياة لأجل الله وحده ولأجل التقوى.

وصفوة القول: إننا نصوم من أجل التعبد لله وحتى نتقيه سبحانه، وأوصيك ونفسي بأن الصيام هو ترك وإمساك عن كل ما يغضب الله؛ فالعبرة ليست بالجوع والعطش؛ إنما بالبعد عن كل ما يغضب الله وعن الشهوات أيضاً. وهذا ليس في الصيام فقط بل في جميع الطاعات بشكل عام كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَش، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَر).

ولا أجد خاتمة للمقال خير من أبيات شوقي في الصيام حينما قال:

يا مُديمَ الصَومِ في الشَهرِ الكَريم
                                          صُم عَنِ الغيبَةِ يَوماً وَالنَميم
وَصَلِّ صَلاةَ مَن يَرجو وَيَخشى
                                     وَقَبلَ الصَومِ صُم عَن كُلِّ فَحشا

* طالب جامعي مصري، تخصص لغة ألمانية، له مدونة باسم "كاتب بيفك الخط".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.