وطفة الفرات *
استيقظتُ هذا الصباحَ على أنفاسٍ باردةٍ تزحفُ على وجهي، همستْ الغربةُ في أذني بصوتٍ يشبهُ صريرَ بابٍ قديمٍ في مدينةٍ منسية:
- صباحُ الخير، أيتها الغريبة!
حاولتُ أن أستديرَ عنها، أن أغطي رأسي بالبطانية كمن يهربُ من كابوسٍ يقظ، لكنها كانت تجلسُ عند حافةِ سريري، تلوكُ سيجارتها الوهمية، تنفضُ رمادها في سوادِ عينيَّ، وتبتسمُ كمن يداعبُ جرحاً لا يندمل.
- لا زلتِ تحاولين التأقلم؟ لازلتِ تبحثين عن وطنٍ في لوحاتِ الشوارعِ المكتوبةِ بلغةٍ ليست لغتكِ، في العيونِ التي تمرُّ بكِ ولا تراكِ، في الأسماءِ التي تُنطقُ وكأنها لم تكن يومًا لكِ؟
أشحتُ بوجهي عنها، ألقيتُ عليها بطانيةَ الأحلامِ المؤجلة، ظننتُ أنها ستختفي، لكنها تسللتْ إلى صدري، جثمتْ فوق أنفاسي، شدّتْ وشاحَها حول رقبتي وقالتْ بضحكةٍ مغموسةٍ في وجعٍ قديم:
- تعالي، سأصنعُ لكِ قهوةً بطعمِ الحنين، وسنقرأُ معاً آخرَ أخبارِ الوطن.. سنضحكُ حتى تمتلئَ فناجينُنا بالدموع!
ضحكتُ، وربما بكيتُ، أو أنني فعلتُ كليهما في آنٍ واحد، لكنني أدركتُ أن ما سالَ من عينيَّ لم يكن ضحكاً.. بل جواز سفري ينزفُ حِبراً قديماً من بين أختامِ الحدود، كان نحيباً مبتوراً في منتصفِ الحلق. وقبل أن تغادر، وقفتْ عند البابِ، نظرتْ إليّ بعينين تشبهانِ نوافذَ البيوتِ المهجورة وقالتْ:
- لا تُتعبي نفسَكِ بالهروب..
أنا لستُ زائرةً عابرة،
أنا هنا بختمٍ رسمي،
ممهورةٌ على جوازِ سفركِ،
منقوشةٌ في ظلكِ،
محفورةٌ في تعبِ قدميكِ،
موشومةٌ على اسمكِ المحرّف،
على كلِّ شيءٍ…
عدا قلبكِ الذي يرفضُ التصديق…
أنني أنا وطنُكِ الجديد.
أنا لستُ زائرةً عابرة،
أنا هنا بختمٍ رسمي،
ممهورةٌ على جوازِ سفركِ،
منقوشةٌ في ظلكِ،
محفورةٌ في تعبِ قدميكِ،
موشومةٌ على اسمكِ المحرّف،
على كلِّ شيءٍ…
عدا قلبكِ الذي يرفضُ التصديق…
أنني أنا وطنُكِ الجديد.
* كاتبة سورية، تستخدم اسماً مستعاراً، حسابها على موقع فيس بوك وطفة الفرات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.