كعادتي، وقريباً من منزلي هناك جلست ، عند طاولتي الصغيرة المنسية في زاوية المقهى، أبدو كلوحة قديمة نُزِعَتْ من مكانها وأُعيد تعليقها في غير جدار، لا تنتمي إليه، لكنها تسنده كظلٍ نسي صاحبه. أرتب أفكاري كما يلملم الغريب فُتاتَ وطنٍ في ذاكرته، وأُقلب في الصور والرسائل بلا اكتراث، كمن يبعثر ما تبقى منه على قارعة الانتظار.
كان البحرُ يهمسُ بملوحةِ الذكريات، يمدّ إليّ أصابعَ مَدّهِ، فألتقطها كمن يلتقطُ ماضيهِ المتساقطِ في ثنايا الغربة، يبعثُ لي أنفاسهُ المالحة، فأستنشِقُها كَمن يدخّن ذاكرتهُ دفعةً واحدة.. يلوكُ موجَه بكسلِ العائدين آخر الليل، بينما يغفو المقهى على كتفِ الرصيف، والضحكات تتقافز بين الطاولات كمراوَغاتِ أطفالٍ يركضونَ في أزقةِ الحنين.
كنتُ هناك، أغرق في أغنيتي العراقية كعادتي، أترك صوتها ينحت صمتي كما ينحت البحر صخور شاطئه:
"خذانا الواهس من بعيد
نزف شموعنا
بشوگك"
كل شيء كان عادياً حدّ الرتابة، لا شيء يعنيني، لا الوجوه المبعثرة على الطاولات، ولا الأحاديث التي تتكئ على ضجرِ المساء. حتى لمحتُه في الأفق…
ظلٌ يمشي دون اسم، دون وجه، خلعَ تعبهُ وجلس على طاولة مقابلة.
أنهى اتصاله، التفت نحوي، وقال بعُجمَةٍ ،لكن بلَكنةٍ لا تُخطئها أذني:
"مساء الخير".
كنتُ أغمسُ أصابعي في جيبِ الوقت، لا أبحث عن شيءٍ، فقط أبعثرُ ماتبقى مني. رفعتُ عينيَ، كان الضوءُ يتكئُ على عُكّاز الغروب، والسماء تخلعُ رداءَها الأزرقَ لترتديَ حُزناً شفيفاً كنِصفِ اِعترافٍ، وظلاماً خفيفاً كنِصفِ سرٍّ يُقال همساً.
جاء صوته مائلاً بين الحذرِ والتجَرؤ، كنسمةٍ تُجَرّبُ طرقَ نافذةٍ غريبة لأول مرة:
"ممكن آخذ الكرسي؟".
هززتُ رأسي بلغةٍ لا تحتاج للحروف، لغة العابرين الذين لا يسألون عن الوجوه، فقط يشاركون الطريق دون أن يحفظوا ملامحه.
جلس.. لم يترك صوته في الهواء، بل دسَّه بين أنفاسي ثم صمت.
هممتُ بالمغادرة حين ألحّ عليه أحدهم ليقول شعراً.
توقفتُ… لا أدري كيف اخترقتني تلك الكلمة! كيف أسكتتُ الأغنية بلا وعي، وكيف عَزَفتُ عن قراريَ بالرحيل! لم أدركْ إلا وصوته صار َأوضح من أيّ شيءٍ آخر…
اقتربتُ عن قصد.. استمعتُ.. طُرُبتُ.. تنبَّهَ لذلك.. حانت ْمنهُ التفاتة نحوي، وكأنني افتُضِحتُ..
يا شايل حلاوة خوف الحديثات
ومحَمّل.. سحر ضحكة بنات بيوت
يا مايع ترافه اتهيّب من احويك
خاف اصعب عليك… وخاف بيدي تموت
هلگَد ما حلو… راج الثمر بالعود
وحمّر على شفافك گَبل وكتَه التوت
كان يقرأ ، وأنا أذوبُ بين الكلمات كما يذوبُ الشمع في حضرةِ نارٍ تعرفُ طريقَها إليه، لا تحرقُه، لكنها تجعلهُ ينحني بصمت، يتشكّل وفقَ هواها، يتركُ روحَه تسيلُ على مهل.
كان صوتَه غيمةً ثقيلة، تمطِر داخلي لا فوقي، تُزهرُ مساماتي، وتتركَني مبتلّةً بنشوةٍ غامضة، كمن يتوضأُ بماءٍ لم يرَه، لكنّه يشعرُ ببركتِه. كنتُ هناك، لكنني لم أكنْ، كأنني عبرتُ خيطاً رفيعاً بين يقظةٍ وشيءٍ يُشبهها، شيءٍ بين الصحوِ والغرق، بين الحقيقةِ والسراب، بين الأرضِ والهواء، حيثُ لا جاذبيةَ تشُدُّني إلا إلى صوته، ولا زمن يسْري إلا في إيقاعه.
كان يُبعثرُ الكلماتَ وكأنها طلاسم تُفتحُ بها أبواب العالم، وكان العالمُ يتغيرُ مع كلّ حرف. صار المقهى مجلساً في "الرقة" وصار البحرُ "فُراتاً" يحبو عندَ قدميّ، وصارتِ الكراسي أشجارَ توتٍ، يتدلّى منها ظلّ قصيدةٍ لم تُقطفْ بعد.
"يا معوّد دِخيلك، والگلب شيصير؟
من تگطع بتوته، منين أجيب بتوت؟"
وكأن الكلماتُ أشرعةٌ، وصوتُه ريحٌ تسوقها إلى أعماقي، وأنا مركبٌ بلا وجهة، أستسلمُ لتيارهِ دونَ مقاومة.
كلما شارفَ على الانتهاء، كنتُ أغيبُ أكثر، كنتُ أختفي بين السطور، أتقلّص حتى أصيرَ نقطةَ حبرٍ على هامشِها، لا أملكُ أن أفعلَ شيئاً سوى أن أكون.. لا يد لي، لا صوت، لا خيار، فقط قلبٌ يُصفّق كعصفورٍ وقعَ في قفصٍ من لحن.
وحينَ توقفَ، لم أتوقفْ… بقيتُ هناك، في عالمٍ آخر، عالمٍ لا يُشبِه شيئاً إلا ذاتَه.. لا يعبأُ بالزمن، لا يكترثُ للمكان، فقط يمتدُّ.. ويمتدّ.. كما يمتدُّ أثر القصيدةِ بعدَ أن تُقال.
كان الشعرُ كافياً للقاءٍ مكتمل… حتى لو انتهى.
وحين انفضّتِ الجلسة، وابتلعَهم الليل، بقيَّ صوتُه معلقاً في الهواء، كقصيدةٍ لم تُكتَبْ بعد.
تجهّزتُ للرحيل، حملَ الكرسيَ ليعيدهُ.. لكنّه لم يفعل.
قال بصوتهِ العميق، الذي صارَ أقربَ من اللازم:
"أرجو أني لا أضايقَك".
ثم جلس.. من دون استئذان.
خَرُستُ.. وجلستُ.
ابتسمتُ كما يبتسمُ من يعرف أن الجمالَ أحياناً ليسَ في الوجوه، بل في اللحظاتِ التي لم يكنْ لها موعد.
كان يمكنُ أن يكونَ مساءً عادياً، لكنهُ لم يكن.
مُذ ذاك الـ "مساءُ الخير".. وأنا أشعرُ أن الكلمات تغيرتْ، أن العالمَ باتَ يحتفظُ بأسرارهِ بطريقةٍ لم أفهمْها. القمرُ لم يعدْ كما كان، صارَ يُلقي ظلّهُ على الجدرانِ بشكلٍ مختلف، كأن في نورهِ رسالةً لم تصلني بعد.
كان ذلكَ منذُ عامٍ إلا أحدَ عشرَ يوماً و"كمشة" ساعات.. لكنهُ من ساعتِها، صارَ أكثرَ من غريب، صار صوتاً لم أنسَه، صار ظلاً على حائطِ المقهى، صار قصيدةً لم أكتُبها، لكنها كتبتني.
واليوم، قبل ساعاتٍ قليلة كانت آخر "مساءُ الخير".. لكنه أردف بعدها مبتسماً:
"شلونك، أبو ساليم؟" امتعضتُ، دردَمْتُ، فقهقه طويلاً، ثم احتضن كفّي قائلاً:
كان البحرُ يهمسُ بملوحةِ الذكريات، يمدّ إليّ أصابعَ مَدّهِ، فألتقطها كمن يلتقطُ ماضيهِ المتساقطِ في ثنايا الغربة، يبعثُ لي أنفاسهُ المالحة، فأستنشِقُها كَمن يدخّن ذاكرتهُ دفعةً واحدة.. يلوكُ موجَه بكسلِ العائدين آخر الليل، بينما يغفو المقهى على كتفِ الرصيف، والضحكات تتقافز بين الطاولات كمراوَغاتِ أطفالٍ يركضونَ في أزقةِ الحنين.
كنتُ هناك، أغرق في أغنيتي العراقية كعادتي، أترك صوتها ينحت صمتي كما ينحت البحر صخور شاطئه:
"خذانا الواهس من بعيد
نزف شموعنا
بشوگك"
كل شيء كان عادياً حدّ الرتابة، لا شيء يعنيني، لا الوجوه المبعثرة على الطاولات، ولا الأحاديث التي تتكئ على ضجرِ المساء. حتى لمحتُه في الأفق…
ظلٌ يمشي دون اسم، دون وجه، خلعَ تعبهُ وجلس على طاولة مقابلة.
أنهى اتصاله، التفت نحوي، وقال بعُجمَةٍ ،لكن بلَكنةٍ لا تُخطئها أذني:
"مساء الخير".
كنتُ أغمسُ أصابعي في جيبِ الوقت، لا أبحث عن شيءٍ، فقط أبعثرُ ماتبقى مني. رفعتُ عينيَ، كان الضوءُ يتكئُ على عُكّاز الغروب، والسماء تخلعُ رداءَها الأزرقَ لترتديَ حُزناً شفيفاً كنِصفِ اِعترافٍ، وظلاماً خفيفاً كنِصفِ سرٍّ يُقال همساً.
جاء صوته مائلاً بين الحذرِ والتجَرؤ، كنسمةٍ تُجَرّبُ طرقَ نافذةٍ غريبة لأول مرة:
"ممكن آخذ الكرسي؟".
هززتُ رأسي بلغةٍ لا تحتاج للحروف، لغة العابرين الذين لا يسألون عن الوجوه، فقط يشاركون الطريق دون أن يحفظوا ملامحه.
جلس.. لم يترك صوته في الهواء، بل دسَّه بين أنفاسي ثم صمت.
كان صوتاً غريباً، لا يريد أن يكون قريباً ولا بعيداً، فقط على الحافة، تماماً كوجودي هنا.
تجاهلتُه وعدتُ أغرق في أغنيتي، نفحةُ خاطرٍ تسللتْ بخفة لذاكرتي تركتْ القلب مبللاً بالحنين، وغرّقتْ العين بضبابٍ سَرعانَ ما انقشعَ… برمشة.
حينها، بدؤوا يتوافدون واحداً تلوَ الآخر، كانت أصواتهم لا تستأذنني، لكن لوهلةٍ ذُهِلتْ…
لا لا أعتقد ! ….. أكيد أني واهمة!
"لغتي… لهجتي… فراتي.."؟
تجاهلتُه وعدتُ أغرق في أغنيتي، نفحةُ خاطرٍ تسللتْ بخفة لذاكرتي تركتْ القلب مبللاً بالحنين، وغرّقتْ العين بضبابٍ سَرعانَ ما انقشعَ… برمشة.
حينها، بدؤوا يتوافدون واحداً تلوَ الآخر، كانت أصواتهم لا تستأذنني، لكن لوهلةٍ ذُهِلتْ…
لا لا أعتقد ! ….. أكيد أني واهمة!
"لغتي… لهجتي… فراتي.."؟
أحيوا ذكريات صداقتهم نوبات ضحك استهزاء أسئلة معتادة عن الأحوال، الأعمال عن الأهل هناك، عن الوطن، ثم تعليقاتٍ بلا ترتيب ولا تفكير.
هممتُ بالمغادرة حين ألحّ عليه أحدهم ليقول شعراً.
توقفتُ… لا أدري كيف اخترقتني تلك الكلمة! كيف أسكتتُ الأغنية بلا وعي، وكيف عَزَفتُ عن قراريَ بالرحيل! لم أدركْ إلا وصوته صار َأوضح من أيّ شيءٍ آخر…
اقتربتُ عن قصد.. استمعتُ.. طُرُبتُ.. تنبَّهَ لذلك.. حانت ْمنهُ التفاتة نحوي، وكأنني افتُضِحتُ..
توقفَ للحظة، وكأن الحرفَ ترددَ في فمهِ، كأن نبضه تعثّر لثانية، كأن الهواءَ صار َأثقل، مُشبَعاً بمعانٍ لم تُقَلْ لكنها سَكَنَتِ المكان.
أكملَ… لكنَ صوته تغيّر، صارَ أكثرَ خُفوتاً، باتَ كَمَن يقرأُ رسالةً إلى شخصٍ يختبئُ في زِحامِ المقهى، شخص يختلِسُ السَمَع، لكن هذهِ المرةَ… عن قصد… شخص كان يستمع بقلبه:
يا شايل حلاوة خوف الحديثات
ومحَمّل.. سحر ضحكة بنات بيوت
يا مايع ترافه اتهيّب من احويك
خاف اصعب عليك… وخاف بيدي تموت
هلگَد ما حلو… راج الثمر بالعود
وحمّر على شفافك گَبل وكتَه التوت
كان يقرأ ، وأنا أذوبُ بين الكلمات كما يذوبُ الشمع في حضرةِ نارٍ تعرفُ طريقَها إليه، لا تحرقُه، لكنها تجعلهُ ينحني بصمت، يتشكّل وفقَ هواها، يتركُ روحَه تسيلُ على مهل.
كان صوتَه غيمةً ثقيلة، تمطِر داخلي لا فوقي، تُزهرُ مساماتي، وتتركَني مبتلّةً بنشوةٍ غامضة، كمن يتوضأُ بماءٍ لم يرَه، لكنّه يشعرُ ببركتِه. كنتُ هناك، لكنني لم أكنْ، كأنني عبرتُ خيطاً رفيعاً بين يقظةٍ وشيءٍ يُشبهها، شيءٍ بين الصحوِ والغرق، بين الحقيقةِ والسراب، بين الأرضِ والهواء، حيثُ لا جاذبيةَ تشُدُّني إلا إلى صوته، ولا زمن يسْري إلا في إيقاعه.
كان يُبعثرُ الكلماتَ وكأنها طلاسم تُفتحُ بها أبواب العالم، وكان العالمُ يتغيرُ مع كلّ حرف. صار المقهى مجلساً في "الرقة" وصار البحرُ "فُراتاً" يحبو عندَ قدميّ، وصارتِ الكراسي أشجارَ توتٍ، يتدلّى منها ظلّ قصيدةٍ لم تُقطفْ بعد.
"يا معوّد دِخيلك، والگلب شيصير؟
من تگطع بتوته، منين أجيب بتوت؟"
وكأن الكلماتُ أشرعةٌ، وصوتُه ريحٌ تسوقها إلى أعماقي، وأنا مركبٌ بلا وجهة، أستسلمُ لتيارهِ دونَ مقاومة.
كلما شارفَ على الانتهاء، كنتُ أغيبُ أكثر، كنتُ أختفي بين السطور، أتقلّص حتى أصيرَ نقطةَ حبرٍ على هامشِها، لا أملكُ أن أفعلَ شيئاً سوى أن أكون.. لا يد لي، لا صوت، لا خيار، فقط قلبٌ يُصفّق كعصفورٍ وقعَ في قفصٍ من لحن.
وحينَ توقفَ، لم أتوقفْ… بقيتُ هناك، في عالمٍ آخر، عالمٍ لا يُشبِه شيئاً إلا ذاتَه.. لا يعبأُ بالزمن، لا يكترثُ للمكان، فقط يمتدُّ.. ويمتدّ.. كما يمتدُّ أثر القصيدةِ بعدَ أن تُقال.
كان الشعرُ كافياً للقاءٍ مكتمل… حتى لو انتهى.
وحين انفضّتِ الجلسة، وابتلعَهم الليل، بقيَّ صوتُه معلقاً في الهواء، كقصيدةٍ لم تُكتَبْ بعد.
تجهّزتُ للرحيل، حملَ الكرسيَ ليعيدهُ.. لكنّه لم يفعل.
قال بصوتهِ العميق، الذي صارَ أقربَ من اللازم:
"أرجو أني لا أضايقَك".
ثم جلس.. من دون استئذان.
خَرُستُ.. وجلستُ.
شيءٌ ما يشدُني لأبقى، شيءٌ لا يُرى لكنه يُحَس، كأن المسافةَ بيننا لم تعُد تُقاسُ بالكراسي، بل بشيءٍ أكثرَ شفافية، شيء يشبهُ الاعترافاتِ غيرِ المعلنَة. لم أشأ أن أقول شيئاً، لكنّه
تكلّم… فتكلمتُ.
ضحكَ.. فضحكتُ..
"ضحك طفلين معاً.. فعدونا"
….. ولكن ظلنا لم يتحرك
تكلّم… فتكلمتُ.
ضحكَ.. فضحكتُ..
"ضحك طفلين معاً.. فعدونا"
….. ولكن ظلنا لم يتحرك
كان الضحكُ غريباً، يشبهُ اصطدامَ الموجِ بالصخر، يشبه محاولةَ الضبابِ أن يعانقَ الهواء.
لم ننتبِه للوقت، احتسينا خمرة الكلام والشعر والشاي معاً..
فَسَكِرنا "اثنتي عشرة ساعة "متواصلة! ربما أكثر..
يا إلهي.. أيُّ جنونٍ.. أيُّ هَبلٍ.. أيُّ سُكْرِ ذاك الذي غشينا؟
لم ننتبِه للوقت، احتسينا خمرة الكلام والشعر والشاي معاً..
فَسَكِرنا "اثنتي عشرة ساعة "متواصلة! ربما أكثر..
يا إلهي.. أيُّ جنونٍ.. أيُّ هَبلٍ.. أيُّ سُكْرِ ذاك الذي غشينا؟
ابتسمتُ كما يبتسمُ من يعرف أن الجمالَ أحياناً ليسَ في الوجوه، بل في اللحظاتِ التي لم يكنْ لها موعد.
كان يمكنُ أن يكونَ مساءً عادياً، لكنهُ لم يكن.
مُذ ذاك الـ "مساءُ الخير".. وأنا أشعرُ أن الكلمات تغيرتْ، أن العالمَ باتَ يحتفظُ بأسرارهِ بطريقةٍ لم أفهمْها. القمرُ لم يعدْ كما كان، صارَ يُلقي ظلّهُ على الجدرانِ بشكلٍ مختلف، كأن في نورهِ رسالةً لم تصلني بعد.
كان ذلكَ منذُ عامٍ إلا أحدَ عشرَ يوماً و"كمشة" ساعات.. لكنهُ من ساعتِها، صارَ أكثرَ من غريب، صار صوتاً لم أنسَه، صار ظلاً على حائطِ المقهى، صار قصيدةً لم أكتُبها، لكنها كتبتني.
واليوم، قبل ساعاتٍ قليلة كانت آخر "مساءُ الخير".. لكنه أردف بعدها مبتسماً:
"شلونك، أبو ساليم؟" امتعضتُ، دردَمْتُ، فقهقه طويلاً، ثم احتضن كفّي قائلاً:
"الزول زول هواي.. والممشى ممشى
خلّيته بالدَلّال.. وش جابه لهنا؟"
خلّيته بالدَلّال.. وش جابه لهنا؟"
ضحكتُ.. ثم صمتُّ طويلاً، كمن يخشى أن يُفسدَ الكلامُ سحرَ اللقاء.
* كاتبة سورية، تستخدم اسماً مستعاراً، حسابها على موقع فيس بوك وطفة الفرات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.