أحمد عواد إبراهيم: في قريتنا سميرة توفيق - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

السبت، 15 مارس 2025

أحمد عواد إبراهيم: في قريتنا سميرة توفيق

 



أحمد عواد إبراهيم *

غارق في عتمة شعر امرأة بلون الحليب.. يتخفى كجرح يرشح بنبيذ كروم قصية في قلب منسي.. عندما ينزلق اسمها بين شفتيه تحس أن يمامة تفر من ضغطة نصل أعمى.. أغنية تسيل من جرح روح باهتة.. لازلت أتذكر هيئته المندهشة.. انفعاله.. خجله.. كلما ردد الأولاد أن سميرة توفيق قد غمزت له.. أحياناً يكاد يذرف الدموع لفرط السعادة.. وأقسم إن يمتلك تلك البدوية التي تدوخ بمجرد أن يبيع الموسم.. لابد له من شراء ذلك الصندوق الخشبي العجيب الذي صعقه بالحب.. صعقه بسويداء القلب.

أكثر ما ينرفزه أن زوجته تقول إن سميرة قد غمزت لها أيضاً عندما كانت تقف وراء الشباك، تشاهد وتستمع لأغنية (بالله صبوا هالقهوة...)، وكان يرد: تلك البقرة لا تعرف وين الله حاطها.. وقد أسرَّ الراعي حسين الجريق أمام بعض أهل القرية أن سميرة قد غمزته أيضاً عندما كان يلف سيجارة الغازي.. بينما يؤكد هو أن لا أحد كان حاضراً في دار التلفزيون غيره وبعض الأولاد والحاجة أم مرعي.. لكن أم مرعي انسحبت قبل الأغنية بساعة أثناء نشرة الأخبار.. لأن المذيع سرسري لا يشيل عينه عنها.. فخشيت أن يتهور ويغمزها، فتترزل بـ"تالي العمر".

بدأت أحلام القرية تستطيل بعد أن سال في أعمدتها المهجورة التيار الكهربائي.. ارتفعت أسهم الليل وتحول إلى محبوب صاخب يحمل رائحة النساء الخرافيات والطرب والعوالم الغامضة.. و سميرة توفيق باتت أميرة قادمة من أزمنة البرية لتحتل حكايات الشباب.. وضرة لكل امرأة ومنافسة لكل فتاة في القرية.. عندما بدأ التلفزيون يغزو البيوت اكتشف صاحبنا أن سميرة أنثى لعوب.. لم تترك رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو شيخاً إلا وغمزته.. لابل إن أهل القرى المجاورة يتحدثون أيضاً عن تلك الغمزة.. فبات يهرب من رائحة القهوة.. ولا يركب أي سيارة حمراء.. بل ويكره الرقة ودير الزور والطريق الواصل بينهما لأجل تلك الخائنة.. صار الحمار الذي ورثه عن والده أكثر أصالة من نعامة ابن عباد.. وتلك المهرة التي خشخش حديدها.

أدمن (الأبوذية) العراقية.. وتعرف على داخل حسن صاحب الآه المجروحة التي يدسها تحت الجلد ويدق بها الصدر.. ليلامس أطراف الأمس البعيد كلما شح الصبر قبالة الأماني.

غادرت القرية.. ولازال ذاك العاشق يبحث عن امرأة أحرجته أمام الغياب.. امرأة أبدعت بصناعة تابوت لقلبه.. تركته يطوح بميدالية خبأ فيها صورة غمزة بطعم الملح.. لم يكن يعرف أن الحب في بعض الأحيان هو بداية الطريق نحو العبودية.. يغني مع رياض أحمد:
(بحشاشتي سهمك مضى
وعقبك علي ضاق الفضا)
لو انني التقيته لأخبرته بما قاله فيلمون وهبي عندما سمع أن سميرة توفيق تقضي وقتها "رجل ببيروت ورجل بالشام".. قال: نيال أهل شتورا.. لكن الزمن الذي نخل أعمارنا.. وانتحل الظل على ضحكاتنا.. لم يمنح أحداً منا الوقت كي يزيل الشبهة عن خيط الحرير.

 * كاتب وفنان تشكيلي سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.