رامي محمد *
البؤساء لا ينظرون ورائهم، فهم يعلمون أن النحس يلازمهم وأن الشقاء يطاردهم..
كانت تلك الكلمات في سياق رواية البؤساء الشهيرة للكاتب الفرنسي "فكتور هوجو" والتي قالها "جان فالجان" بطل الرواية، وكأنها تصف ما يحدث للجيل الذي أنتمي إليه، والذي تبدأ معاناته منذ العام 1980 تقريباً، حيث شرعت الدولة المصرية في إعادة بناء ما تم هدمه خلال سنوات الحرب العجاف بين مصر والكيان الصهيوني، والتي تمخضت عنها اتفاقية كامب ديفيد للسلام.
ثم بدأت الدولة في التخلص من آثار الماضي في مختلف المجالات، فتحولت من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي مُطلقة العنان لحركة الاقتصاد، وسُميت تلك الفترة بـ"الانفتاح الاقتصادي"، وبدأت الرأسمالية في التغلغل والتوحش، مع تضاؤل دور الدولة في سوق العمل، وإلغاء التعيينات بالقطاع الحكومي إلا في حدود ضيقة، وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص لكي يقوم بدور الأم الذي يستوعب العمالة والذي تحول لاحقاً إلى زوجة الأب القاسية، والذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، ثم دأبت الحكومات المتعاقبة على إطلاق يد رجال الأعمال للاستثمار في المشروعات المختلفة، والاكتفاء بدور المتفرج، مما خلق جيلاً من الطبقة العمالية بلا حقوق، وبمرتبات متدنية وعدد ساعات عمل شاقة تتناسب مع فترة الحرب العالمية الثانية.
ومع الزيادة السكانية غير المخطط لها، وارتفاع معدلات الفساد في بعض مؤسسات الدولة، بدأت أزمة الإسكان في الازدياد الملحوظ، وبالطبع لم تسلم العملة المحلية من سياسات الرأسمالية، فقد قام البنك المركزي في أكثر من مناسبة بتعويم الجنيه المصري، مما تسبب فى ظهور موجات تضخمية تعادل في قوتها موجات تسونامي، وعزوف الشباب عن الزواج وازدياد حالات العنوسة، وارتفاع معدلات الجرائم، وحتى الأفلام والمسلسلات التى كانت تجتمع عليها الأسرة باتت تبث مشاهد من العنف والجريمة والألفاظ الخادشة للحياء ما لا يمكن تصوره، مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يخلو منها التعصب والتنمر وتكريس العنصرية.
لذا فإن تسمية ذلك الجيل بجيل النوافذ المُغلقة هو خير مسمى له، وبرغم كل ذلك مازال يحاول أن يتنفس الهواء الذي خرج من بين طيات النوافذ سهواً.
* كاتب مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.