أحمد محمود حمزة: اطلبوا العلم ولو في .........

  أحمد محمود حمزة

يخرج من بيته والشمس لم تخرج بعد، في انتظار عربة تقله حيث وسيلة المواصلة الرئيسة ألا وهي مترو الأنفاق، يظل واقفا متكئاً على أحد ساقيه في انتظار العربة وجميعها تأتي مليئة بالركاب، كل دقيقتين ينظر في ساعة يده، لاعناً في سره محاضرة الثامنة صباحاً! واخيراً يبتسم له الحظ ويقفز سريعاً داخل إحدى العربات التي وقفت له، ثم يتجه إلى المترو، الساعة تقترب من منتصف الثامنة، وهو لم ينزل من العربة بعد! 

أخيراً يصل إلى المترو وسريعاً ما يقف في طابور لشراء التذاكرة، ثم يضعها في جهاز المرور، ويمر حيث رصيف المترو، من حسن حظه أنه يستقل المترو من أول محطة في الخط فيجد مكاناً فارغاً يجلس عليه، وسريعاً ما يجلس، ويضع حقيبته ظهره على فخذه ويخرج سماعة أذنه اللاسلكية ثم يضعها في أذنه بعد أن أوصلها بالهاتف الذكي، وصوت الحصري يصدح في أذنيه، بعد ذلك يفتح رواية ما، ويمر بعينه على الكلمات في صمت، وعقله يسأل كيف السبيل إلى محاضرة الثامنة؟

يبدأ عدد الركاب في الزيادة حتى يصل أقصاه قرب محطة السادات، لدرجة أنه لا يرى أي شيء سوى جسد الشخص الواقف أمامه. يضع علامة يحدد بها الصفحة التي توقف عندها ثم يغلق الكتاب وينزل محطة العتبة، لا يستطيع تقرير مصيره بعد الخروج مباشرة من باب المترو، بل يسير مع الناس كشاة في القطيع متسارع الخطوة بشكل ملحوظ إلى الخط الثالث من المترو. الزحام في محطة العتبة تحديداً على رصيف الخط الثالث تخطى كونه زحاماً! تظن أن الناس في يوم الحشر، برغم طول الرصيف لكنه لم يقلل من كثافة الناس، فلا تستطيع السير على الرصيف إلا بصعوب.

تعجب صاحبنا كيف سيركب كل هؤلاء في المترو!؟ دقيقة تمر ثم الثانية وتدوي صفارة المترو القادم، وسريعاً ما يتسابق الناس في الركوب، لا مكان في عربة المترو سوى للقدمين! التنفس عسير بداخل عربة المترو، وكأن المئة مليون نسمة جميعاً بداخله الآن! من العسير طبعاً أن يستأنف قراءة الرواية فهو بالكاد يستطيع أن يقف ويديه بجانبيه! الساعة تخطت الثامنة، وهو مازال بدخل المترو، ثم لاحت من بعيد محطة العباسية حيث وجهته، وحيث تقبع جامعة عين شمس. 

الخطوة التي يخطوها حتى يخرج من المترو هينة بسبب الزحام، وطابور السلالم الكهربائية يصل إلى حدود السودان! لذا يصعد سريعاً على قدميه درجات السلم العادي! يصل إلى جهاز المرور ويضع التذكرة حتى يخرج، ويظل ينتظر أن يأخذها مرة ثالثة، هي لا تخرج مرة ثالثة وهو يعلم هذا لكنه ينتظر بعض الثواني حتى يتذكر ذلك ويمضي في طريقه! وأخيراً يرى السماء من فوقه، وكأنه كان في قبر وليس وسيلة مواصلات! 

يمشي مهرولاً حتى يحضر الباقي من محاضرة الثامنة - لعنة الله عليها - والطريق من المترو حتى الجامعة لم يكن أقل زحاماً من المترو، لكن أهون بسبب وجود السماء!

تشعر وأنت في العباسية بأن المصريين جميعهم هنا من شدة الزحام! أخيراً يصل إلى الجامعة.. يخرج هاتفه ليرى مكان مدرج المحاضرة ثم يصعد السلم سريعاً وقطرات العرق على جبينه لا تتوقف.

يصل ويطرق الباب ثم يفتحه، وعندما يدخل يعتذر للدكتور عن التأخير في عبارات سريعة تفهم من سياق الموقف، فيبادله الدكتور الاعتذار أيضاً عن عدم السماح له بالحضور بعد أن تخلف ربع الساعة المسموحة للتأخير! في هذه اللحظة يلعن صاحبنا محاضرة الثامنة والدكتور والعباسية ومترو الانفاق وجامعة عين شمس، وأي شيء يخطر على باله!