رامي محمد *
يُحكى أن حمار جحا كان مثالاً يُحتذى في الوفاء والاخلاص، فحينما يذهب جحا لجمع الحطب يظل الحمار منتظراً بكل شغف أن يحمل كل الحطب فوق ظهره، مهما كانت الكمية كبيرة ولم يُظهر التذمر أو الشكوى ولو مرة واحدة، بل ظهر كأنه مستمتعاً بحمل جحا والحطب معاً، وحتى الطعام الذي يتناوله لا يزيد عن حفنة قليلة من البرسيم يومياً، وبدأت الناس تتعجب من أين أتى هذا الحمار بكل تلك القوة والصبر!
وفي كل مرة يسأل الناس جحا عن أمر هذا الحمار، فيرد جحا بالإجابة نفسها: "هذا حمار شغل".. وعندما أحصل على سعة من الرزق سوف أكافئه على ذلك بالطبع.
كان الحمار يسمع لتلك الكلمات وهو مسرور ومبتهج، ظناً منه أن كل تلك الفترة ستكون لها تقدير خاص عند جحا، ثم بعدها سوف ينال الراحة والطعام الوفير في المستقبل القريب كما كان جحا كان يعده دائماً.
حتى زادت أموال جحا، وبدأ يتوسع في تجارته شيئاً فشيئاً، وفي أحد الأيام أستيقظ الحمار وسمع صوت جحا يتحدث مع شخص ما قائلاً: لقد اشتريت حماراً جديداً من السوق حتى يساعدني على حمل المزيد من الحطب، فالطلب يزيد كل يوم، وأنا بحاجة ماسة له، وقد كلفني مئة دينار، أعلم أن سعره باهظ كما أنه سوف يأكل الكثير من أعواد البرسيم، ولكن هذا حال السوق اليوم، أما حماري الآخر فقد كَبر سنه ولن يتحمل العمل لفترة طويلة كما كان في السابق، وقريباً سوف أستغني عنه، فوقعت تلك الكلمات وقع الصاعقة على الحمار الوفيّ الذي أعتقد خطأ أن جحا جلب حماراً لكي يقلل من أعبائه ويمنحه الراحة، ثم قرر أن يبدأ في الاعتراض على ظروف عمله القاسية، وحينما جمع جحا الحطب كعادته كي يحمله الحمار القديم بدأ الحمار في النفور، وهنا ظن جحا أنه جائع، فأتى له بحنفة البرسيم المعتادة ولكنه رفض الأكل أيضاً، فتعجب جحا وقال: ماذا حدث لهذا الحمار؟ يبدوا أنه قد أصابه مرض ما أو بدأت علامات الشيخوخة في الظهور، ثم بدأ جحا في ضرب الحمار بكل قسوة، وهنا صاح الناس في جحا : ماذا تفعل في حمارك ولماذا تضربه بهذه الطريقة ؟ ألم يكن في الأمس الحمار الوفي والصبور!
فقال جحا: نعم كان بالامس حماري أما اليوم وبعد أن رفض أوامري لم يعد حماري، أنا لا أريده وسوف أتركه لينظر إذا وافق أحد على شرائه، أو حتى إطعامه مجاناً.
هنا أيقن الحمار المسكين مدى حماقته، وفي لحظات تذكر سنوات عمره التي ضاعت هباء مع جحا، ثم ركل العربة بقدميه المتعبة، وذهب مسرعاً يبحث عن مكان آخر يُقدر تعبه، لعله يجد..
* كاتب مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.