عبدالقادر رالة *
في المقهى
كان الطقس يوم الثلاثاء الماضي ماطراً، وقد كنت متعباَ ومشوّشاً، فاخترتُ أن أمكث في المقهى، أطول مدّة ممكنة، استغرقتْ كامل الفترة الصباحية، من الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية عشر وخمسة وعشرين دقيقة...اندهشتُ من نفسي، أربع ساعات!...
أربعة ساعات كانت كافية لأن أفكرَ، أتأملَ، وأستعيد الذكريات القديمة؛ السعيدة أو الحزينة.. وأرد السلام على من أعرفه، وعلى من لا أعرفه...
أربع ساعات.. وقت طويل، لذلك اضطررتُ لأن أستجيب لقانون المقاهي الاستهلاكي، كلما طال مكوثك في المقهى عليك أن تشتري أكثر...
ممنوع منعاً باتاً، وقد تتعرض للطرد من طرف النادل إذا شغلتَ الطاولة مدّة طويلة وطلبتَ قليلاً...
ارتشفتُ كوب قهوة، احتسيتُ كأسي شاي، قارورة كوكا كولا، وأخرى عصير البرتقال..
فزع
اقتربتُ من مدينتنا الصغيرة مع خيوط الفجر الأولى، وكان التعب الشديد قد نال مني، ففكرتُ أن أستريح، حتى تطلع الشمس وأواصل مسيري...كنتُ قادماً من الشمال ففكرتُ أن أستريح تحت سور مقبرة سيدي أمحمد، فربطت حماري بجذع كرمة تين، واستلقيتُ تحت السور...
وما هي إلا دقائق قليلة، حتى تناهى إلى سمعي صوت خطوات... الأكيد أنه زائر للمقبرة، من أولئك الذين يحبون زيارة موتاهم باكراً...
وعند المدخل قال بصوت جوهري: السلام عليكم أهل الديار الباقية... أنتم السابقون ونحن اللاحقون...
أردتُ أن أمازحه، فقلتُ بصوت مرتفع، فيه بحة: ـسبقناكم ونحن ننتظركم لكنكم أبطأتم...
ذُعر الرجل وهجم عليه الفزع... لم يلتفت أو يتطلع الى مصدر الصوت، وإنما استدار وركض فاراً، يدمدم بصوت غير مفهوم!
أردتُ أن أتبعه وأنادي عليه لكني أحجمتُ خوفاً أن يُميته ذلك، وندمتُ لأني أفزعته في هذا الصباح...
غموض
رمى المدير ذو الكرش المنتفخة كامل جسده على الأريكة البنية الفاخرة... وكان يمسك بيده اليسرى سيجاراً فاخراً، أما ملامح وجهه فيختلط عليها الحزن واللامبالاة!فوق المكتب أمامه، وُضعت لافتة كُتب عليها المدير العام، وبجانبها تبعثرت أوراق، وعلى الجانب الآخر ثُبتت رزنامة ودزينة أوراق بيضاء ومجموعة أقلام مختلفة الألوان...
وأمام المكتب أريكتان جلديتان سوداوتان، اليُمنى يجلس عليها شخص يثرثر، ينقُل أخباراً يُؤكد أنها صحيحة ومؤكدة، ويُواجهه على اليُسرى آخر يبدو أصغر منهما سناّ يُنصت باهتمام وبين الحين والآخر يكرر فقط النطق بعبارة: العدل والإنسانية كلمات فارغة! لكني لا أستطيع تصديق ذلك الرجل! إنه من أكثر الرجال غموضاً الذّين التقيتهم في حياتي الخاصة والمهنية...
* كاتب وقاص جزائري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.