التفرد بالرأي والحكم الفردي ومبدأ المشورة الصورية في بلداننا العربية أهلكت الحرث والنسل، ولسنا بصدد الحديث عن ذلك في المقال، بل هي مجرد مقدمة فقط.
لا خلاف على أهمية مبدأ الشورى كركيزة أساسية تقوم عليها الحياة السياسية في المجتمع.. وهذا نبينا محمد ﷺ أتم الناس عقلاً يأمره الله جل وعلا باستشارة أصحابه، وهذا عمر رضي الله عنه يأمر الناس بإن يقوّموه إن رأوا منه شراً.. فكان مبدأ الشورى أساساً في حياة رسول الله وحياة أصحابه من بعده.
فلا يصلح الحكم مع حاكم يزعم العلم بكل شيء، ويتهم الناس كلهم بأنهم دونه وعياً وفهماً، وهذا هو فرعون أحد طغاة وجبابرة الأرض أودى بنفسه وقومه إلى الغرق والهلاك بسبب تفرده برأيه، وعمله بمبدأ "لا أريكم إلا ما أرى".. وكأن لا أحد يعلم ويرى سواه!
وهذه هي بلقيس التي كان لها ملك عظيم تعمل بمبدأ الشورى، فكانت لا تقطع في أمر إلا بمشورة رعيتها، فنجت ونجّت قومها من هلاك في الدنيا والآخرة، وكانوا قوماً يعبدون الشمس من دون الله! لكن لم يمنعهم ذلك وخصوصاً بلقيس من الشورى.. وأرى أن سبب عظمة ملكها وعرشها وسيطرتها على قومها برغم كونها امرأة هو عدم تفردها بالرأي والاستبداد.
فمن قصة بلقيس نستخلص أن امرأة على رأس حكم شورى أفضل من رجل مستبد على رأس سلطة قمعية كما فرعون.. وعلى الرغم من أن ذلك ليس بالنظام الأمثل لكنه خير من الاستبداد.
بالإمعان في قصة بلقيس مرة أخرى نرى أنها لم تعمل برأي مستشاريها، لكنها قبل أن تقرر رأيها أعطتهم الحجة والبرهان على سبب اختيارها هذا الرأي دون غيره.. وهذا تحديداً ما ينقصنا في الكثير من مساحات العالمين العربي والإسلامي، وهو أن يستشيرنا الحكام ويقدموا لنا الحجج والأسباب قبل إصدار القرارات، وهذا ما توصّل إليه الغرب، لكن بعد مذابح وبحور من الدماء، أما نحن العرب الذين أعطانا الإسلام هذا الطراز من الحكم على طبق من ذهب، فقد فرطنا به وأهملناه، فكانت الفرقة والضعف الهوان.
خلاصة قولي لخصه حافظ إبراهيم في بيته:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به .. رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.