رامي محمد *
بعد رحيل الأب والأم أصبح المنزل كهفاً موحشاً.. تزايد عندي الشعور بالبرد وتجمدت أطرافي.. هممت بإحضارعود ثقاب كي أشعل حطب المدفأة.. وبدأت أنظر للنار وهي تأكل أعواد الحطب كأنها تلتهم ذكرياتي الجميلة.
غلبني النعاس وانطفأت النيران وعم الظلام في الغرفة.. استيقظت على رائحة الدخان المنبعثة من المدفأة وقليل من ضوء النهار.
نظرت إلى الدخان معتبراً إياه صديقاً يؤنس وحدتي وصار الحديث بيننا عادة يومية.. لم يكن في مخيلتي أنه يوماً ما سوف أتحدث مع الدخان.. ربما لأنه أصدق من قابلت وأوفى من زاملت.
ائتمنته على أسراري ولم يفشها ولا مرة.. وفي كل مرة كان ينصت لي جيداً ثم يختفي، وحينما يعود أجده في هيئة أخرى وكأنني أقابله أول مرة. شعرت براحة غير عادية في الحديث معه، فهو يستمع فقط ولا يتكلم.
وهكذا دائماً كان اللقاء بيننا، أنا أتحدث وهو ينصت ثم يختفي، ويعود مجدداً ليستمع ويختفي ويستمع ويختفي ويستمع ويختفي...
وذات يوم قررت مصارحته بكل ما بداخلي من أفكار مبعثرة قائلاً:
لم أصل لغايتي بعد ولم أتأخر.. لم تتحقق أحلامي ولم تتبخر، أقف في الوسط حائراً بين الاتجاهين، خائر القوى والتفكير، قليل الحيلة والتدبير، أخشى من نسيم الهواء أن يتحول إلى رياح عاتية ويقتلعني من جذوري الهشة.. ويجعلني في صحبة اوراق الشجر المتساقطة في فصل الخريف..
إنني أرى البشر أمامي ذاهبون وعائدون.. لا أعرف من أين أتوا وإلى أين سيذهبون.
* كاتب مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.