د. أحمد أحمد نعمان |
منذ طفولتي وأنا أصل إلى ما أريد، لكننى أصل وأنا منهك .. بالقدر الذي لايجعلني أفرح، وكأني أريد أن أصل لأستريح.. أستريح فقط.. "إرنست هيمنغواي".
إبان الاستعداد للمعركة، دائماً ما كنت أرى أن الخطط عديمة الجدوى، لكن التخطيط لا مفر منه.. "دوايت آيزنهاور".
ما التخطيط:
هو "ممارسة ذكية للتفاعل مع الحقائق والمواقف كما هي عليه في الواقع ومحاولة العثورعلى حلول للمشاكل المقبلة.
عن التخطيط:
يبقى الحديث عن التخطيط وعملياته وخطواته ومراحله من أهم الركائز الداعمة للحياة الإنسانية، لكن ما نعيشه الآن دليل على انحراف التخطيط وقصور عملياته، امتد الفقر وزادت المعاناة وغابت العدالة، يسعى التخطيط الاجتماعي لنقل المجتمع من الأوضاع القائمة إلى أوضاع أکثر تقدماً بما يتضمن ذلك من رفع مستوى معيشة المجتمع ککل في المدن والقرى اقتصادياً واجتماعياً من أجل رخاء المجتمع وتقدمه ورفاهيته، وذلك بما يشمله من تعبئة وحسن استغلال موارد وطاقات المجتمع وقواه البشرية والمادية لتحقيق أهداف المجتمع.
لماذا التخطيط؟
تهدف عمليات التخطيط لتحقيق الرضا والارتياح عن مختلف ميادين الحياة وتهدف تلك العمليات إلى:
· مساعدة الناس على المثابرة ومواصلة الحياة من حيث هم.
· إضافة قيم إيجابية وخبرات لحياتهم المعيشية.
ولا تهتم عمليات التخطيط بالعمل مع المسنين والمعاقين والمحرومين والمعرضين للخطر بل هي عمليات متاحة لجميع الأفراد، وتؤمن تلك العمليات بأن جميع الأفراد لديهم القدرة والإمكانية لنمو وتحسين مستواهم المعيشي عن طريق مزيد من الدعم لأنشطتهم الحياتية ويعد التخطيط الاجتماعى آلية رئيسة ومهمة لاستمرار محاولات تحديد وقياس نوعية الحياة الجيدة في المجتمعات.
كيف يكون التحطيط أداة فعالة لتحقيق التنمية؟
تطورت فكرة التخطيط خلال الحرب العالمية الأولى في ألمانيا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى. واتخذ التخطيط أسلوباً لإدارة دفة الحرب، وتعبئة الموارد الاقتصادية لتجهيز الجيوش وإمدادها بما تحتاجه من جيوش وعتاد ومؤن وذخائر. واعتبر التخطيط في الدول الرأسمالية حينئذ وسيلة مؤقتة لتنظيم عملية تحول الاقتصاد القومي من ظروف السلم إلى ظروف الحرب. وما إن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى عصفت بالنظام الرأسمالي أزمة الكساد الكبير (1929-1932)، ففي تلك الفترة، انخفضت مستويات الإنتاج والاستهلاك والدخل، وارتفعت مستويات الأسعار، وتكدست السلع في المخازن والمستودعات، مما أدى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة والفقر. وأدت هذه الأزمة إلى زعزعة الثقة بالنظام الاقتصادي الحر، الذي اعتمد على فكرة التوازن التلقائي. وتبين أن اليد الخلفية التي تحدث عنها آدم سميث في كتابة ثروة الأمم غير كافية لضمان النمو والاستقرار والاستخدام الكامل للموارد الاقتصادية. كما تبين فشل قانون المنافذ الذي تحدث عنه ساي، والذي ينص على أن المنتجات تخلق الطلب عليها، أو العرض يخلق الطلب الخاص به.
جاءت أفكار الاقتصادي البريطاني جون مينرد كينز في كتابه الشهير المنشور عام 1936، "النظرية العامة للفائدة والتوظف والنقود" لتناقض أفكار الفكر الاقتصادي الكلاسيكي بالتركيز على جانب الطلب بدل العرض. واقترح كينز للخروج من أزمة الكساد زيادة الإنفاق العام وضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، والتخطيط لزيادة حجم الطلب الفعال الذي يعيد النشاط والفعالية ويحرك عجلة الاقتصاد.
حلت الحرب العالمية الثانية لتحول اقتصاديات الدول من اقتصاديات السلم إلى اقتصاديات الحرب مرة أخرى. وهنا دعت الحاجة إلى قيام الدول بانتهاج أسلوب التخطيط تماماً كما حدث في الحرب الأولى. وما إن حطت الحرب أوزارها حتى سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مساعداتها لدول أوروبا الغربية لإعادة تعمير ما دمرته الحرب، وذلك من خلال ما عُرف بخطة مارشال Marshal plan لمواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والنهوض باقتصادياتها. وكان لزاماً على الدول أن تنتهج أسلوباً تخطيطياَ لتقدير احتياجات إعادة التعمير (فرنسا وبريطانيا عام 1946).
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية قسمت دول العالم إلى ثلاث مجموعات: دول العالم الأول وهي الدول الصناعية الرأسمالية (الاقتصاد الحر) ودول العلم الثاني وهي الدول الصناعية الاشتراكية (التخطيط المركزي)، ودول العالم الثالث وهي الدول الفقيرة المختلفة. وقد قامت عدة دول من الدول النامية وبمساعدة المنظمات الدولية بانتهاج أسلوب التخطيط الاقتصادي لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.
ارتبط مفهوم التخطيط الاقتصادي بدول الكتلة الشرقية والتي اعتمدت أسلوب التخطيط المركزي كنظام بديل لنظام السوق الذي ساد في الدول الرأسمالية. وعليه ساد الاعتقاد بأن انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات يعد نهاية للتخطيط الاقتصادي غير أن الواقع هو أنه ليس هناك ترادف بين التخطيط والاشتراكية أو بين عدم التخطيط والرأسمالية، حيث إن التخطيط الاقتصادي غير مقصور على الدول الاشتراكية بل هو ضرورة لأي دولة يعجز فيها نظام السوق وحده عن تحقيق التنمية المستدامة بالصورة المطلوبة.
ولكن ما نراه ونعيشه في الآونة الأخيرة على الرغم من انتشار أدبيات متنوعة عن التخطيط وعملياته وآلياته في تحقيق التنمية يؤكد أنه أصبح بلا قيمة فبالرغم من كيانات التخطيط ومؤسساته لايزال العالم غارقاً في الأزمات والمعضلات ليقف الفقراء أمام أحلامهم عاجزين عن حتى استمرار الحلم بها، ومن هذا يتوجب على الكيانات والمؤسسات التخطيطية في البحث عن الفجوة وأسباب الأزمة التي جعلت التخطيط بلافائدة وبلامعنى أومضمون، ويحدد هل فسدت السياسات أم تأخرت أم غاب المخططين برغم حضورهم أم أن سفينة التخطيط ورجاله في ممرات النسيان لم تعبر بعد، الآن لابد من صحوة للتخطيط من خلال إعادة تمكين لجيل جديد من المخططين جيل يصيغ أولوياته من حاجات الفقراء ويخطط لهم لا بهم جيل ينعش صنم هوى في بئر الاحزان.
وفي النهاية عاودتني أمنيات الكاتبة أحلام مستغانمي:
"أي علم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص، أو في زجاجة دواء نتناولها سراً، عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحن نحتاجه".
* دكتوراه في التخطيط والسياسة الاجتماعية، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.