صورة لشباب عرب مهاجرين بعد وصولهم إلى بر الأمان |
دبي: باسل العقلة
يشكو الكثير من الشباب العربي من وجود إهمال وعدم انتباه لقدراتهم ومواهبهم، الأمر الذي يستدعي وجود حلول لاستكشاف ما لديهم من إمكانات.
يتنهد بصمت، بالكاد يرفع رأسه، يضع يديه على خده تارة، وأخرى يطبق «محمد» أصابعه بغضب، كلما تذكر ما حدث مع خليله، الذي فقد حياته بعد يأس قد ألم به من ثقل الهموم وغياب الأمل أمامه، إذ إن صديقه شاب يافع في مقتبل العمر، تقطعت به السبل، وأصابه الإحباط، وضاقت به الدنيا، في ظل وضع اقتصادي متدهور، ترزح تحت وطأته عائلته، وسط وضع معيشي مكلف، تعانيه بلده «سورية»، يرافقه ارتفاع في الأسعار، وانعدام فرصة العمل، التي إن وجدت فهي لا تسد شيئاً يسيراً من متطلبات الحياة الباهظة هناك.. ثم يلتفت «محمد» ويقول: «بعد قساوة هذه الصورة أمامي، وجدت نفسي مرغماً كشاب في بداية حياته، في العشرينات من العمر، على مغادرة بلدي، بحثا عن أمل جديد، أو أي مستقبل يليق بطموحاتي».
وليس ببعيد عن ذلك، يصل مؤيد (ع) من الأردن إلى برلين مؤخراً، شاب عربي آخر رأى في الهجرة بصيص أمل لتحقيق طموحاته في ظل معاناة مستمرة لمئات الشباب العربي، وغياب الخطط الحكومية له ولأمثاله الشباب، بتأمين مستقبل واعد لهم في بلدانهم، ليتمكن بعد فترة وجيزة من كسر حاجز اللغة، ويبدأ حلمه بدراسة جامعية كان يراها «صعبة المنال» في بلده الأم، نظرا لتحديات بالغة التعقيد وضعتها السلطات التشريعية في بلده بحسب وصفه.
في المقابل نجد أن الصورة إيجابية في بعض الدول العربية، ومنها ما صنعت المعجزات من شبابها، وشرعت لهم الأبواب لشق الطريق نحو المستقبل متسلحين بكل مقومات وأسس النجاح، وخصصت لهم من الميزانيات ما يكفي لبناء شباب مثقف ومؤهل ومتعلم وجاهز لأن يصون منجزات بلده، ولكن للأسف هذه حالات استثنائية لا يمكن تعميمها.
ووسط هذه التجارب، نجد أن ظاهرة هجرة الشباب العربي في تزايد مستمر، لا بل إن الإحصاءات أكدت تضاعف الأرقام في الآونة الأخيرة، من كلا الجنسين، إذ لايزال القلق يعتري شبابنا من مستقبل مجهول وأوضاع اقتصادية متدهورة، وأنظمة تشريعية عافها الزمن، وتعليم منغلق تقليدي، وبالتالي انعدام الضوء في آخر النفق، ليكون الحل الوحيد بين أيديهم هو الهجرة إلى ما وراء البحار، لعل نتيجتها تكون الأوفر حظاً بالنسبة لهم، والسؤال يبقى من المسؤول؟ ومن يتحمل وزر هجرة الشباب؟ وهل فعلاً الأساليب التقليدية في التعليم والصحة والعمل هي اما قادتهم إلى للهجرة؟ أم أن هناك تجنياً كبيراً على الأنظمة والتشريعات والأداء الحكومي الذي لا يتطور مواكباً الزمن في دول عديدة؟
يقول الشاب كاظم آل طوقان «سوري مقيم في الإمارت»: « إن الشباب العربي بشكل عام يلجأ للخيار الأفضل، وللأسف إن الشاب العربي يبحث عن حقوقه لا عن أحلامه، بدليل أن الشاب العربي ليس فاشلاً لأن هذه العقول التي تهاجر نراها تبدع في بلدان ثانية». ويرى كاظم أن "الخاسر الأول" هي الجهات المسؤولة عن نزيف العقول والأدمغة، وأن الاستثمار الأول هو استثمار العقول واستثمار الإنسان، وليس فقط الموارد الطبيعية.
وعن ذهاب الشباب العربي إلى بلدان أفضل، يجد كاظم أن ذلك ضرورة لحصوله على حقوقه، حتى يؤمّن ما أسماه أساسيات الحياة.. في حين أشار هذا الشاب إلى الخطأ الكبير الذي ترتكبه البلدان العربية التي لاتعرف كيف تستثمر بشبابها.
ومن ألمانيا يقول حسام الصغير: «إن حياته المهنية هنا أفضل بكثير خاصة من الناحية المادية، ففي سوريا كنت كطبيب أطفال متخرج حديثاً لا يتجاوز راتبي الشهري 25 دولاراً». كما أنه أبدى إعجابه بمزايا السفر واللجوء حيث وجد فيها العيش الكريم، ورأى أنها تفوق بكثير مزايا البقاء بالبلدان العربية.
ويحث القاضي على الأخذ بتقديرات البنك الدولي، والتي تضمنت أن اقتصاديات المنطقة يجب أن تخلق 97 مليون وظيفة جديدة ما بين عام 2000 و2020، بينما في الحقيقة لم يتم تأمين ربع كم هذه الوظائف في المنطقة العربية.
ويبين القاضي أنه لا حل من دون أجواء فيها أمل وتفاؤل وأمان وقانون يطبق، فلا يستطيع أحد أن يمتهن كرامة هذا الشاب، ولا يستطيع أحد أن يميز بينه وبين شاب آخر.
ويجد أنه من الصعب الوصول إلى تفكير الشباب خاصة الجزء السلبي منها إذا ما بدأت حلول اقتصادية ولو كانت حلولاً بسيطة مثل دعم المشاريع الصغيرة، بالإضافة إلى إرساء ثقافة برامج التوعية النفسية وتفريغ الضغوطات بشكل علمي ومدروس ومنظم. ويأمل النمرة من الشباب العربي التحايل على الظروف ورسم خطط واقعية، ووضع خطط بديلة في ظل الوضع الراهن، حتى يتمكن الشباب من المحافظة على صحته النفسية وعلى طاقته، وأن يسعى ليكون موجوداً على الرغم من كل الصعوبات.
إلا أن الدكتور جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، خلص في مقال نشرته «أصداء bcw استطلاع لرأي الشباب العربي»، إلى أنه يتعين على صناع القرار أن يضعوا قضية الشباب في صميم أجندة الإصلاح الهيكلي المطلوبة لبناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة وشمولية». مبيناً أن أجندة الإصلاح هذه يجب أن تركز بالدرجة الأولى على تحقيق التقدّم في المجالات الرئيسة التالية: الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، الاستثمار في المواهب وتحسين بيئة الأعمال، تجديد أنظمة الحماية الاجتماعية، تعزيز الثقة بالمؤسسات، تبني الرقمنة».
وليس ببعيد عن ذلك، يصل مؤيد (ع) من الأردن إلى برلين مؤخراً، شاب عربي آخر رأى في الهجرة بصيص أمل لتحقيق طموحاته في ظل معاناة مستمرة لمئات الشباب العربي، وغياب الخطط الحكومية له ولأمثاله الشباب، بتأمين مستقبل واعد لهم في بلدانهم، ليتمكن بعد فترة وجيزة من كسر حاجز اللغة، ويبدأ حلمه بدراسة جامعية كان يراها «صعبة المنال» في بلده الأم، نظرا لتحديات بالغة التعقيد وضعتها السلطات التشريعية في بلده بحسب وصفه.
طريق المستقبل
الصورتان تعكسان واقعاً مؤلماً لنماذج شباب ملهمين وجدوا ضالتهم في بلد آخر غير الذي ولدوا وترعرعوا فيه، على عكس ما تفترضه الفطرة البشرية، بأن ينمو الإنسان ويكبر في بيئة مثالية هيأتها له أسرته أولاً، ثم صقلتها دراسته النموذجية، مع وجود أسباب النجاح التي توفرت عبر خدمات تقدمها الحكومة، ولكن هذا النموذج غير قابل للتطبيق في دول عربية كثيرة، وما «محمد» و«مؤيد»، إلا ضحيتان، إن صح التعبير، لواقع يفترض تغييره للمحافظة على الشباب، باعتبارهم أساس نهضة الدولة وتقدمها.في المقابل نجد أن الصورة إيجابية في بعض الدول العربية، ومنها ما صنعت المعجزات من شبابها، وشرعت لهم الأبواب لشق الطريق نحو المستقبل متسلحين بكل مقومات وأسس النجاح، وخصصت لهم من الميزانيات ما يكفي لبناء شباب مثقف ومؤهل ومتعلم وجاهز لأن يصون منجزات بلده، ولكن للأسف هذه حالات استثنائية لا يمكن تعميمها.
ووسط هذه التجارب، نجد أن ظاهرة هجرة الشباب العربي في تزايد مستمر، لا بل إن الإحصاءات أكدت تضاعف الأرقام في الآونة الأخيرة، من كلا الجنسين، إذ لايزال القلق يعتري شبابنا من مستقبل مجهول وأوضاع اقتصادية متدهورة، وأنظمة تشريعية عافها الزمن، وتعليم منغلق تقليدي، وبالتالي انعدام الضوء في آخر النفق، ليكون الحل الوحيد بين أيديهم هو الهجرة إلى ما وراء البحار، لعل نتيجتها تكون الأوفر حظاً بالنسبة لهم، والسؤال يبقى من المسؤول؟ ومن يتحمل وزر هجرة الشباب؟ وهل فعلاً الأساليب التقليدية في التعليم والصحة والعمل هي اما قادتهم إلى للهجرة؟ أم أن هناك تجنياً كبيراً على الأنظمة والتشريعات والأداء الحكومي الذي لا يتطور مواكباً الزمن في دول عديدة؟
التعليم والحياة اليومية
يقال: «إن تجارب الدول والحكومات والمؤسسات، أثبتت أن السياسات الناجحة هي تلك المبنية على المعادلات العلمية والحقائق والمعطيات التي تقدم على ما سواها من الفرضيات، لذلك توجهت الحكومات العربية إلى الاهتمام بلغة الأرقام، فكانت النسب عندها مفجعة، عندما قرأت أرقام الهجرة التي تفوق توقعها».يبدو أن القائل كان متجنياً نوعاً ما، لكن إحصائية جديدة نشرتها مؤسسة «أصداء bcw عن استطلاع لرأي الشباب»، تشير إلى أن أكثر من ثلث الشباب العربي يقولون: «إنهم يكافحون لتغطية نفقاتهم»، حيث تجاوزت هذه النسبة النصف في دول شرق المتوسط واليمن، الذين عبروا عن قلق واسع من الوضع في دولهم، إذ بينت الدراسة أن الرغبة الكبيرة وراء السفر إلى الدول الأوربية يعود لعدد من النقاط أبرزها: (القلق من جودة التعليم داخل بلدانهم العربية، والقضايا التي تؤثر على الحياة اليومية والفساد الحكومي، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة).
جاهزية الأنظمة
وفي هذا يبحر «مركز الشباب العربي» في دولة الإمارات، ليخوض نقاشاً طويلاً عن الأسباب والدوافع، ضمن «100 سؤال وجواب عن الشباب العربي»، عبر إحصائية أجريت على الأعمار بين (15 – 34) عاما، فقد توصلت إلى أن نسبة الشباب في الوطن العربي بلغت 33.6%، أي إن هذه الزيادة تعني أنه على العالم العربي التأكد من جاهزية أنظمته لاستقبال الزيادة في أعداد الشباب، بالإضافة لخلق فرص عمل لهم، ولكن ما هي وجهة نظر الشباب؟ ولماذا يخوضون البر والبحر والجو ليصلوا بلاد بعيدة عن أوطانهم؟يقول الشاب كاظم آل طوقان «سوري مقيم في الإمارت»: « إن الشباب العربي بشكل عام يلجأ للخيار الأفضل، وللأسف إن الشاب العربي يبحث عن حقوقه لا عن أحلامه، بدليل أن الشاب العربي ليس فاشلاً لأن هذه العقول التي تهاجر نراها تبدع في بلدان ثانية». ويرى كاظم أن "الخاسر الأول" هي الجهات المسؤولة عن نزيف العقول والأدمغة، وأن الاستثمار الأول هو استثمار العقول واستثمار الإنسان، وليس فقط الموارد الطبيعية.
وعن ذهاب الشباب العربي إلى بلدان أفضل، يجد كاظم أن ذلك ضرورة لحصوله على حقوقه، حتى يؤمّن ما أسماه أساسيات الحياة.. في حين أشار هذا الشاب إلى الخطأ الكبير الذي ترتكبه البلدان العربية التي لاتعرف كيف تستثمر بشبابها.
طموح وأحلام
ويرى محمود المقداد «مقيم في سوريا»، أن لقمة العيش والحياة الكريمة والرزق الكافي يستحق المجازفة والذهاب مع الأمواج من دون خشية المصير المجهول، ويجد المقداد بالأمن والأمان ركيزتان أساساتيان توفرهما بلاد اللجوء بل عدّهما عوضاً عن البلد الأم. ويقول: «إننا الشباب لدينا طموح وأحلام، وهما مرتبطان بما نصل إليه من تحصيل علمي، وتعليم يواكب التكنولوجيا، وكما نعلم إن الدول في سباق بينها نحو الحداثة والتطور وتسخيرهما لجيل الشباب، وهذا ما تفقده معظم بلداننا العربية».ومن ألمانيا يقول حسام الصغير: «إن حياته المهنية هنا أفضل بكثير خاصة من الناحية المادية، ففي سوريا كنت كطبيب أطفال متخرج حديثاً لا يتجاوز راتبي الشهري 25 دولاراً». كما أنه أبدى إعجابه بمزايا السفر واللجوء حيث وجد فيها العيش الكريم، ورأى أنها تفوق بكثير مزايا البقاء بالبلدان العربية.
الدكتور أسامة القاضي، مستشار اقتصادي وإداري ومالي دولي |
خلق فرص
يقول المستشار الاقتصادي والإداري والمالي الدكتور أسامة القاضي «يتطلع الشاب دائماً لفرص عمل جديدة وإلى بيئة يستطيع أن يتنفس ويتحرك بحرية رأس المال وحرية التنقل وخلق فرص عمل حقيقة»، أي إنه لا بد من توفير الحرية للشباب.. ويسهب القاضي في الحديث عن البطالة ومعدلاتها العالية، والتي بلغت 28.4%، ويعدّ أن هذا الجيش من العاطلين عن العمل يشكل عقبة أداء في وجه أي تنمية أو نمو اقتصادي، أي إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جاذباً لرؤوس الأموال.ويحث القاضي على الأخذ بتقديرات البنك الدولي، والتي تضمنت أن اقتصاديات المنطقة يجب أن تخلق 97 مليون وظيفة جديدة ما بين عام 2000 و2020، بينما في الحقيقة لم يتم تأمين ربع كم هذه الوظائف في المنطقة العربية.
ويبين القاضي أنه لا حل من دون أجواء فيها أمل وتفاؤل وأمان وقانون يطبق، فلا يستطيع أحد أن يمتهن كرامة هذا الشاب، ولا يستطيع أحد أن يميز بينه وبين شاب آخر.
الدكتور باسل نمرة اختصاصي إرشاد نفسي مجتمعي |
تفريغ الضغوطات
بينما يرى الدكتور باسل نمرة، اختصاصي إرشاد نفسي مجتمعي، أن التغيرات الاقتصادية والتضخم الحاصل كان له أثر على العامل النفسي والاجتماعي لدى الشباب العربي، أما التأثير الأكبر فقد كان على الشاب المتزوج الذي لديه أسرة، لكونه أصبح يعمل بشكل مضاعف لتأمين أحتياجات العائلة في ظل الوضع الاقتصادي العام، وخاصة في الدول التي تعاني من أزمات سياسية، ويقول: «بدأنا نرى أن الضغط النفسي للشباب قد أدخلهم في حالات اكتئاب، والبعض اتجه للانتحار، والآخر نحو الإدمان والتعاطي.. كل ذلك فقط للهروب من الواقع».ويجد أنه من الصعب الوصول إلى تفكير الشباب خاصة الجزء السلبي منها إذا ما بدأت حلول اقتصادية ولو كانت حلولاً بسيطة مثل دعم المشاريع الصغيرة، بالإضافة إلى إرساء ثقافة برامج التوعية النفسية وتفريغ الضغوطات بشكل علمي ومدروس ومنظم. ويأمل النمرة من الشباب العربي التحايل على الظروف ورسم خطط واقعية، ووضع خطط بديلة في ظل الوضع الراهن، حتى يتمكن الشباب من المحافظة على صحته النفسية وعلى طاقته، وأن يسعى ليكون موجوداً على الرغم من كل الصعوبات.
إلا أن الدكتور جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، خلص في مقال نشرته «أصداء bcw استطلاع لرأي الشباب العربي»، إلى أنه يتعين على صناع القرار أن يضعوا قضية الشباب في صميم أجندة الإصلاح الهيكلي المطلوبة لبناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة وشمولية». مبيناً أن أجندة الإصلاح هذه يجب أن تركز بالدرجة الأولى على تحقيق التقدّم في المجالات الرئيسة التالية: الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، الاستثمار في المواهب وتحسين بيئة الأعمال، تجديد أنظمة الحماية الاجتماعية، تعزيز الثقة بالمؤسسات، تبني الرقمنة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.