سارة محمد |
سارة محمد
يكون النسيان عصياً، كيف لا؟ والهموم تتكالب، والجراح تتوالى، فهي تجثم على على الأنفاس لتحول دون انقشاعها، وتنخر في الأحشاء ليتفاقم نزفها، كل تلك الأنات قد تسبب بها طعنة جاهل جانب الصواب بسهام أحكام أطلقها جزافياً، ولا يميز فيها بين صالح ومعيب.
من منا لم يعانِ من تلك الجراح التي أحدثتها كلمات جائرة اخترقت شغاف القلب لتبدد أفراحه وتحيلها أتراحاً، وتحيل آماله آلاماً، ومن منا لم يقاسِ نزفها دهراً، ومن منا لم يعتزل العالم حيناً، حتى تتعافى روحه من علل الألسنة السقيمة التي اتخذت من التذمر والذم والترقب وسيلة للإساءة إلى من لا يتوافق مع أهوائهم، حتى وإن كان يفوقهم خُلقاً، ويسبقهم مكانة ومجداً.
فجوات عاطفية
هؤلاء الجارحون والطاعنون لا ندري هل هم مدركون عظم الفجوات العاطفية التي يحدثونها بينهم وبين مستهدفيهم؟ وهل هم متأكدون مما يرشقون به غيرهم من حجارة غلظتهم التي تتجاوز حدود المحبة والأخوة لتصل إلى أدران البغض والعداوة، فإن كانوا موقنين جسامة فعلتهم فتلك مصيبة، وإن كانوا على غفلة من ذلك فالمصيبة أعظم.أولئك اللاسعون يستشري شرهم حيثما وجدوا، فقد نجد أحدهم موظفاً على قدر من العلم والخبرة، لكنه يفتقر إلى أبسط أبجديات الحوار وذوقيات النقاش مع زملائه، وقد يترصد هفواتهم، حتى يتخذ منها ذريعة للإساءة إليهم، وقد يصاب أحد أفراد الأسرة بداء التجريح والانتقاد اللاذع، فلا يكون له هم سوى تتبع زلات الآخرين، بهدف التركيز على أخطائهم والتنكيل بهم، وقد يختبئ بعضهم خلف عباءة الصداقة، ليتخذها مسوغاً لإشباع رغباته الجامحة والجانحة نحو إظهار النقائص والمعايب لدى غيره، كي يكون هو البطل الأوحد والفارس المغوار الذي لا يجاريه أحد في بلوغ أعلى مراتب الكمال، لكنك لو وقفت على حقيقته، لأدركتَ صغر شأنه، وضآلة حجمه بين أقرانه أدباً وخُلقاً وفضلاً.
النفور والجفاء
ذلك الخلق الذميم يحول بين صاحبه وبين الألفة والعشرة الطيبة، فقلما يبقى صديق لهذا الجارح والمسيء، ونادراً ما ينسجم معه أحد، ويبقى من حوله يترقبون منه الإساءة والتجريح حتى وإن لم يتفوه بكلمة، فقد اعتادوا منه ذلك، و"من يزرع الشوك يجني الجراح" فمن تربص بأخيه الإنسان، واقتنص الفرص للانتقاص منه فلن ينال منه سوى النفور والجفاء.ولو علم المسيء الغافل كم قلباً نزف أعواماً بسبب كلمة أطلقها في لحظة غضب عارمة أو هفوة عابرة، وكم بيتاً هدم بقبيح قوله لهجر الكلام مطلقاً، وآثار الصمت رفيقاً، فالجراح تبقى غائرة مدى الأزمان، وصداها تثقل النفس أسىً وحزناً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.