النظم الاقتصادية: الرأسمالي والاشتراكي والإسلامي |
دبي: عبير الصغير
يمكن تعريف النظام الاقتصادي بأنه مجموعة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تضبط أسلوب العملية الاقتصادية في أي مجتمع. والنظام الاقتصادي يركز بشكل عام على القواعد التي تنظم العلاقة المتبادلة بين حاجة الإنسان والموارد الأخرى المتاحة من طبيعية وبشرية ومعرفية وتقنية.
وعند الحديث عن النظم الاقتصادية في العصر الحديث تبرز لدينا ثلاثة أنواع منها، هي الرأسمالي والاشتراكي والإسلامي.
النظام الاقتصادي الرأسمالي
من مزايا النظام الرأسمالي وجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، كما أنه يرتكز على فكرة الربح المادي، وتمنح تلك الملكية حق توظيف رأس المال لتحقيق الربح. وللمنافسة في هذا النظام دور كبير في العملية التجارية، فالدولة لا تتدخل في النشاطات الاقتصادية مع اختلاف المعايير من دولة إلى أخرى.
يمكن تسمية النظام الرأسمالي بنظام السوق الحر، وفيه يُترك موضوع البيع والشراء والإنتاج للمنتج والمستهلك، ولا تتدخل الحكومة في الأسعار أو آليات الإنتاج، ويبقى دورها موجوداً في الرقابة على تطبيق القوانين وضمان بقاء المنافسة، والتأكد من عدم تسويق الممنوعات كالمخدرات، والتأكد ايضاً من استيفاء متطلبات السلامة كما في وضع تجارة السيارات.
وفي النظام الرأسمالي يعد المستهلك جزءاً من السوق وعنصراً مهماً في العملية الاقتصادية، وله الحق في اختيار النمط الاستهلاكي الذي يرتاح له، والسلع التي يرغب بها، ولا يحدث تأثير خارجي على سلوكه في أي من خياراته. ويمتاز النظام الرأسمالي بوجود عدد كبير من المنتجين بغض النظر عن حجم أي منهم، ويحق للمنتج طرح أي سلعة بالكمية التي يحددها، ويحق له أيضاً أن يمتنع عن إنتاج سلعة لا تلبي طموحاته. وفي هذا النظام لا تتدخل الحكومة في عملية نقل ملكية النشاط التجاري، والفرد له الحرية في مشاركة غيره ما يملك أو البقاء وحده مالكاً لجهة الإنتاج، كما أن لسعر السلعة دوراً في توضيح رغبة المستهلك في الاقتناء من عدمه.
النظام الاقتصادي الاشتراكي
يستند هذا النظام بشكل رئيس على النظرية الاقتصادية الشيوعية، وتبرز فيه ملكية الدولة لعوامل الإنتاج بدل الملكية الخاصة، ويفترض أن يأتي الإنتاج تبعاً لحاجات المجتمع ورغباته، وبالتالي تشرف الدولة على الملكية الخاصة للإنتاج، وتحدد السلع تبعاً للعرض والطلب في السوق، وبما يلبي رغبات الناس، لكن الواقع يقول إن النظام الاشتراكي عجز بشكل عام عن تلبية رغبات المجتمع من حيث النوع والجودة والرغبات.
ويمتاز النظام الاقتصادي الاشتراكي بتغيب الملكية الخاصة وسيطرة الملكية العامة، فالملكية فيه للأفراد جميعهم لكن الحكومة هي التي تدير تلك الملكية، وبالتالي تحدد ما يجب إنتاجه وتشرف على عملية التوزيع بين الأفراد الذين لا يستطيعون تملك وسائل الإنتاج والموارد ورؤوس الأموال، فالملكية للحكومة التي لها حق التصرف وتعيين الإدارات والجهات المعنية بالقرارات الإنتاجية. وينعكس ذلك التحكم الحكومي على مستوى الأسعار، فتحدد الدولة أسعار السلع التي تكون متدنية لأغلب السلع على الأرجح كي تتوفر للجميع، وقد ترفع سعر بعضها لتحد من استهلاك المجتمع لها.
النظام الاقتصادي الإسلامي
يحفظ النظام الإسلامي للإنسان كرامته لكونه نابعاً من الشريعة الإلهية التي تحفظ النفس البشرية والمال والعقل وتسعى لحياة كريمة وشريفة للبشر بناء على قوانين العدالة والمساواة. ففي الإسلام يكون المال لله عز وجل وقد استخلف الناس عليه، وذلك انطلاقاً من كون الإسلام يتشكل من معاملات وعبادات بينها ارتباط وثيق، فغاية خلق الإنسان ترتكز على إعمار الأرض بما يؤمّن السعادة له عبر عيش بسيط سهل محكوم بأخلاق رفيعة، مما يبعده عن الفساد والشر.
مقارنة بين النظم الاقتصادية الثلاثة:
1- المقصد: المقصد في النظام الإسلامي إشباع الحاجات وتوفير الحد الكافي للعيش الكريم ليحيا الناس حياة هانئة، ويساعدهم في تعمير الأرض وفي عبادة الله، إي إنه يهدف إلى إشباع الحالتين المادية والروحية للإنسان. أما مقاصد النظامين الرأسمالي والاشتراكي فتكون مادية لا يدخل بها الجانب الروحي.
2- المنهج: في النظام الاقتصادي الإسلامي عقائدي وأخلاقي أساسه الحلال، وفيه الأمانة والصدق والتكافل والمحبة والأخوة مع الإيمان بأن العمل عبادة (وتندرج فيه المعاملات الاقتصادية)، بينما يفصل النظامان الرأسمالي والاشتراكي بين الدين ومجرى الحياة، فالاقتصاد لا علاقة له بالعقيدة والأخلاق، وحين يبرز أحياناً مبدأ ميكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة" فيهما، فهو يؤدي إلى خلل مرفوض في مبادئ الإسلام.
3- التشريع: النظام الاقتصادي الإسلامي تضبطه مجموعة من الأصول أو الأسس المستخرجة من الشريعة الإسلامية بمصادرها المتنوعة: القرآن والسنة واجتهاد الفقهاء ممن هم في موضع الثقة.. وهو يعمل على تحقيق مقاصد الشريعة كحفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال، ومن صفات قواعد الاقتصاد الإسلامي الثبات والواقعية والعالمية، كذلك مرونة الأدوات والتفاصيل والإجراءات. أما النظامان الآخران فتحكمهما مبادئ وأسس وضعها بشر قد يصيبون قد ويخطئون، وتلك المبادئ والأسس تتأثر بسياسة وفكر الحكومة مما يعني عدم ثباتها، لكونها تتبدل مع تغير الحكومات التي تعدل القوانين وفقاً لمصلحتها، كما أنها تتأثر بالظروف المحيطة.
4- الأساليب والوسائل: يشترط من يطبقون قواعد الاقتصاد الإسلامي أن تكون أساليب ووسائل تحقيق المقاصد مشروعة، لكن عليهم أن يعتمدوا أيضاً على أساليب التقنية الحديثة. وتتشابه غالباً الأساليب والوسائل الاقتصادية المستخدمة في النظم الاقتصادية الإسلامية والرأسمالية والاشتراكية. والفارق الأساسي هو تركيز الإسلامي على مشروعية الغاية والأساليب والوسائل، وذلك غير موجود في النظامين الآخرين.
5- المقومات: يعتمد النظام الاقتصادي الإسلامي على مقومات من أهمها زكاة المال وتحريم الربا والمعاملات المؤدية إلى هضم حقوق وأموال الناس بالباطل، وكذلك يطبق التكافل الاجتماعي وغيره من أمور مشروعة تضمن للإنسان الحياة الكريمة. وتختلف تلك المقومات في النظام الاشتراكي عن الرأسمالي، لكنهما يبيحان الفائدة والضرائب المباشرة وغير المباشرة مما يؤدي إلى خلل في التعامل الاقتصادي، وقد تتجمع الأموال لدى قلة من الناس، فيتحكمون بالآخرين.
6- حركة السوق: السوق في النظام الاقتصادي الإسلامي حرة نظيفة خالية من المقامرة والغش والاحتكار والاستغلال وكل ما يتسبب بأكل أموال الناس بالباطل، يضبط ذلك الوازع الديني والرقابة الاجتماعية والرقابة الحكومية، ويحق للدولة التدخل إن حدث خلل يضر بالأفراد والمجتمع. فيما يعمل النظام الاقتصادي الاشتراكي في سوق مخطط لها من جهتي العرض والسعر، فلا فردية في الإنتاج والتسعير، مما يلغي القدرة البشرية في الإبداع والابتكار. أما النظام الاقتصادي الرأسمالي فأساسه حرية السوق أو ما يطلق عليه أحياناً اقتصاد الطلب، ولا توجد ضوابط تمنع الاحتكار والجشع وتحفظ للإنسان نفسه وماله وعقيدته.
7- الملكية: الملكية الخاصة هي الأصل في النظام الاقتصادي الإسلامي، والدولة مسؤولة عن حمايتها وتهيئة الظروف الملائمة للتطوير والنمو، وفي المقابل يسدد الأفراد ما عليهم من حقوق تتبع هذه الملكية كالزكاة والصدقات. وتوجد ملكية عامة بضوابط من أجل تحقيق مقاصد معينة لا يقدر عليها القطاع الخاص، ولا يجوز للدولة أخذ ملك إنسان لتحقيق منفعة عامة عند الضرورة بلا عوض. بينما في النظام الرأسمالي الاقتصادي فالأصل هي الملكية الخاصة، وقد تأتي الملكية العامة في أضيق الحدود، وتكمن حقوق الدولة في الضرائب المختلفة وهي غالباً مرتفعة. أما الأصل في النظام الاقتصادي الاشتراكي فهو الملكية العامة لعوامل الإنتاج ضمن إطار مخطط له مركزياً، والضرائب غالباً قليلة ومنخفضة، وإلغاء الملكية الفردية أو تحديدها يؤدي إلى فتور في العمل والإنتاج.. وعليه تأتي الملكية في النظام الاقتصادي الإسلامي في وضع معتدل بين النظامين الآخرين.
الخاتمة:
هناك فروق أساسية بين الأنظمة الاقتصادية الإسلامي والرأسمالي والاشتراكي، ومن الخطأ أن يقال إن الاقتصاد يبقى اقتصاداً كيفما أتى، وإنه لا يوجد فرق خطأ بين الاقتصاد الإسلامي والأنظمة الاقتصاد الوضعية كالرأسمالي أو الاشتراكي. فإذا طبقت أسس الاقتصاد الإسلامي في أي مجتمع إسلامي بصورة صحيحة، فالمقصد سوف يتحقق وهو حياة كريمة للناس، أما الدولة فمسؤوليتها تأمين ما يكفي كل فرد، أياً كانت عقيدته أو فكره.
ممكن قائمة المراجع المأخوذ منها
ردحذف