براء العتيق: لماذا لا يستنتسخ العرب التجربة الألمانية مع كورونا |
براء العتيق
كثير حول العالم يتابعون ما تفعله الحكومة الألمانية من تخفيف الاجراءات الوقائية ضد كورونا، وفي المقابل يتساءلون عن سبب بقائهم تحت حظر التجول وتشديد الإجراءات والعقوبات، فيما في الجانب الآخر من العالم هناك من يعود بخطى سريعة إلى الحياة كما كانت قبل كورونا.
ليست ألمانيا الوحيدة التي تتوجه للعودة إلى الحياة الطبيعية بتقليل الإجراءات، ولكن السرعة التي تنفذ فيها ذلك تلفت الأنظار وتطرح الكثير من الأسئلة، ومنها: هل وجد الألمان اللقاح أو العلاج؟ هل تعجل الألمان بتخفيف القيود أم كل تصرفاتهم محسوبة؟
معلومات متغيرة باستمرار
تعد ألمانيا مثالاً إيجابياً للسيطرة على انتشار الفيروس، وهو ما لا يختلف عليه اثنان، وذلك من ناحية مقارنة عدد الإصابات بعدد الوفيات. ولكن السؤال هو كيف حدث ذلك؟ بما أن الفيروس جديد ولم ينته العلماء من دراسته حتى الآن، فالإجابات المؤكدة تعدّ مجرد أحلام، بل إن جميع ما يشاع من معلومات حول الفيروس لا تلبث أن تتغير، فمثلاً بعد انتشار الفيروس في الصين سمعنا أنه لا خوف من انتقال الفيروس عبر البضائع، ثم تغير ذلك خلال فترة بسيطة، فقد أعطى العلماء عمراً محدداً لبقاء الفيروس نشطاً على كل نوع من المواد التي ينتقل إليها، ثم لم يلبث ذلك مدة طويلة حتى خرجت معلومة صغيرة تفيد أن تلك الأعمار التي حددت لبقاء الفيروس نشطاً تم تحديدها في أجواء داخل المختبر، ما يعني أن كل المعلومات التي قيلت ليست دقيقة في الحياة الطبيعية في الشارع أو حتى الأماكن المتعلقة، لأن جو المختبر لا يتناسب مئة في المائة مع أجواء أي مكان آخر.تلك المعلومة ليست الوحيدة فقد ذكر العلماء أيضاً أن الكمامة ليست ضرورية، ولا يجب ارتداؤها، ثم تغيرت المعلومة الى أهمية ارتداء الكمامة وفائدتها في تقليل انتشار الفيروس. كما قال العلماء إن الذي يصاب مرة بكورونا لن يصاب مرة أخرى، ثم تغيرت المعلومة مجدداً.. وأخيراً وليس آخراً تلك المعلومة التي خرجت عن أن التدخين يحمي من الإصابة بالفيروس ثم القنب وغيرها من المعلومات التي تصدر عن علماء ودراسات، ثم لا تلبث أن تنفى.
لا نفي ولا تأكيد
تلك الأمثلة ليست كل شيء، فنحن كل يوم أمام معلومات جديدة عن الفيروس تنفي ما قبلها، ولا نستطيع لوم أحد، فالفيروس جديد، وكي يتمكن العلماء من معرفة جميع خواصه فهم يحتاجون وقتاً طويلاً. وهنا نعود للمسألة الأشد أهمية في هذا الموضوع: لماذا نجح الألمان كما تتباهى بعض وسائل الإعلام ضد كورونا؟ والسؤال الأدق هو: هل نجحوا فعلاً؟وللإجابة على ذلك يجب أن نعود إلى بداية ظهور الفيروس في ألمانيا. في البداية كان التعامل بطيئاً جداً، ثم بدأت وتيرة التعامل في التغيير ولكن كان ذلك بعد أن انتشر الفيروس فعلاً. ولكن لماذا إذاً عدد الوفيات أقل بالمقارنة مع جاراتها الأوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وغيرهما ممن قضى الفيروس على نسبة لا يستهان بها من سكانهم؟
تساءلت عن ذلك وسائل الإعلام، بل تساءلت دول العالم كافة، ولكنهم لم يجدوا حلاً مقنعاً، فبدأت نظريات لم تدرس ولم يتم التحقق منها للظهور منها التفكك الأسري الذي يعيشه الألمان وأن نسبة كبيرة منهم يعيشون بمفردهم، ومنها أنهم شعب يحبّ الرياضة.
نعم، هذه المعلومات حقيقية عن نسبة لا يستهان بها من الشعب الألماني، ولكن هل هي التي خفضت من عدد الوفيات. لا أحد يستطيع الإجابة بالنفي أو التأكيد، ولكن وسائل الإعلام الغربية احتفت بالتجربة الألمانية، بل صنفت دولاً على رأسها فلسطين المحتلة تليها ألمانيا على أنها الدول الأفضل في السيطرة على الفيروس.
قيم الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية
وبعد ذلك كله نعود للسؤال الأساسي: هل نستطيع استنساخ التجربة الألمانية ونعود للحياة كما كانت قبل كورونا بسرعة.. وللإجابة على ذلك يجب أن نرى معدلات الإصابة بالفيروس، وهي معدلات لا تزال مرتفعة. أضف إلى ذلك الأخبار التي تخرج باستمرار من إيجاد بؤرة عدوة جديدة، ومنها مصنع للحوم يعمل فيه أكثر من ألف عامل، تأكدت إصابة نسبة كبيرة منهم بالفيروس.. إذاً، هل التجربة الألمانية ناجحة؟من كل الأمثلة والمعطيات لا نستطيع تسمية ذلك بالنجاح، وإنما سيطرة على الانتشار مع تخوف بأن ينتشر في أي لحظة.
وهنا نتساءل: لماذا هذا التعجل بالعودة لمرحلة ما قبل كورونا؟ هناك أيضاً كثير من المعطيات للإجابة على هذا السؤال، منها الاقتصاد الألماني، وأنه مثل غيره لن يحتمل الانتظار مدة أطول، بل ربما إنه أسوء من غيره لأنه يعتمد بشكل أساسي على الضرائب.. ومن دون تحريك عجلة الاقتصاد فلن يكون هناك ضرائب.. وهو ما نراه أقل ضرراً للاقتصاد في الدول العربية التي تمتلك بعضها موارد نفطية مثلاً، وفي حين أن أسعار النفط منخفضة عالمياً فإنه لا يزال مورداً يحمي الاقتصاد جزئياً. ثم تأتي نقطة أخرى وهي وجود ألمانيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، إذ يجعلها ذلك لا تستطيع أن تقرر بمفردها إن كانت تريد إقامة حظر أو لا تفعل، بل لا تستطيع حتى إغلاق حدودها من دون مشاورة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهنا نجد أن التجربة الألمانية ليست اختيارية بالكامل، بل هناك أجزاء كبيرة منها إجبارية حاول الألمان التعايش معها. من ذلك وغيره، فإن التجربة الألمانية لا تتناسب مع قيم الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية التي يعيشها العرب في مجتمعاتهم.
وختاما نرجو من الله أن لا يكون الاستعجال الألماني سبباً في ارتفاع عدد الوفيات على غرار ما حصل مع بعض الدول الأوروبية التي تعاملت مع انتشار الفيروس بتهاون كبير، فانعكس ذلك على عدد الوفيات لديهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.