عصام حقي، شيء من الرمضانيات: اغتيال القصيدة |
عصام حقي
عانقها كما يعانق الشاعر القمر، وعانقته كما تعانق النجومُ الشعراء. على باب بيتهما ببيروت لوّحا كالعادة بتلويحة الوداع الصباحيّة. لكنه شعر هذه المرة بشيء ما يقبض نفسه، ولم يجد له تفسيرا.. وكأنّه الوداع الأخير!
خطر بباله كيف ضيع أميرة الأعظمية يوماً وظلّ يفتش عنها في كل مكان، حتى عثر عليها في علبة ورد مخمليّة يحملها إليه العراق.. كلّ العراق.
كان عنــدي هُـنا أميرة حبٍ
ثم ضاعتْ أميرتي الحسـناءُ
أين وجـهٌ في الأعظميةِ حلوٌ
لو رأتهُ تغـار منه السـمـــاءُ
* * *
أمن الممكن أن تضيع بلقيس من حياته مرة أخرى؟ ها هوذا في مكتبه بشارع الحمراء يصحو من سبحات هواجس فكره على دويّ انفجار هائل قريب.. لقد صدق حدسه فالانفجار كان في السفارة العراقية القريبة، حيث بلقيس.. حيث أميرة قلبه، حيث النخلة العراقية التي ضاعت من جديد، ولكن في بيروت هذه المرة!
* * *
أشرع نزار قباني اليراع مفعماً بمداد الألم والغضب والثورة. وراح يخط هذه الرثائيّة الكبيرة التي رسمت الحزن على وجهه، شاكراً في مستهلّها القتلةَ الساديّين المجرمين الذين يتلذّذون باغتيال الورود والزرافات والغيوم البيضاء، بل يتبادلون الأنخاب ابتهاجاً بهذا النصر العظيم:
شكراً لكم
شكراً لكم
فحبيبتي قُتِلَتْ
وصار بوُسْعِكُم أنْ تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغْتِيلتْ
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ، - إلا نحنُ -
تغتالُ القصيدة؟!
* * *
اغتيال القصيدة جريمة مروعة ارتكبتها في وضح النهار أيادٍ عربيّة لاتجيد الانتصار إلّا على ملكات بابل، والطيور الجميلة:
بلقيس، كانت أجملَ الملكاتِ
في تاريخِ بابلْ
قتلوكِ يا بلقيسُ
أيَةُ أُمَّةٍ عربيّةٍ تلكَ التي تغتالُ أصواتَ البلابلْ؟
* * *
ويصرح نزار أنّه يعرفهم.. يعرف المجرم.. يعرف وجهه.. يعرف بأيّ زيّ يتنكر، وبأيّ قناع يتخفّى، وسوف يعترف بما يعرف في التحقيق:
سأقول في التحقيق:
إنَ اللص أصبحَ يرتدي ثوبَ المقاتِلْ
وأقولُ في التحقيق:
إنّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاول
هذا هو التاريخُ، يا بلقيسُ
كيف يُفَرِقُ الإنسانُ ما بين الحدائقِ والمزابلْ؟
* * *
بل كيف للإنسان أن يفرق مابين السياسة والدعارة السياسيّة؟!:
بلقيسُ: يا قَمَرِي الذي طمروه ما بين الحجارةْ
الآنَ ترتفعُ الستارةْ
سأَقولُ في التحقيقِ:
إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ وأنْ لا فَرْقَ ما بين السياسةِ والدَعارةْ...
سَأَقولُ في التحقيق:
كيف سَطَوا على آيات مُصحفها الشريفِ
وأضرموا فيه اللهبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ هو النَّصْرُ الوحيدُ بكُلّ تاريخِ العربْ؟!
* * *
بل كيف للإنسان أن يفرق مابين السياسة والدعارة السياسيّة؟!:
بلقيسُ: يا قَمَرِي الذي طمروه ما بين الحجارةْ
الآنَ ترتفعُ الستارةْ
سأَقولُ في التحقيقِ:
إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ وأنْ لا فَرْقَ ما بين السياسةِ والدَعارةْ...
سَأَقولُ في التحقيق:
كيف سَطَوا على آيات مُصحفها الشريفِ
وأضرموا فيه اللهبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ هو النَّصْرُ الوحيدُ بكُلّ تاريخِ العربْ؟!
* * *
رحلت بلقيس، ووقف نزار وولداه زينب وعمر على قبرها، يذرفون الدمع، ويلومونها على الرحيل.. يلومون نخلة العراق على التهاوي، يلومونها كيف تركت أحبابها الثلاثةَ دون ظلال:
بلقيسُ
أيَّتها الشهيدةُ والقصيدةُ والمُطَهَّرَةُ النقية..
بلقيس
كيف رحلتِ صامتةً ولم تَضَعي يديكِ على يديَا
وتركتِنا - نحن الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ
أتُرَاكِ ما فَكَّرتِ بي
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ
مثلَ زينبَ
أو عمر ْ..؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.