من المدونات إلى المواطن الصحفي |
دراسة: عبير الصغير
يمكن تعريف المدونات بأنها عبارة عن مكان بمقدور البشر عبره النشر بحرية، والتحاور وطرح الأفكار والآراء مهما كانت نوعية الموضوعات المطروحة. ومن خلالها يستطيع الشخص أن يطرح أي فكرة يريد، لعرضها للحوار، أو لمجرد طرحها فقط، وتركها لمن يريد أن يقرأ.. ويستطيع الشخص أن يكشف عن اسمه أو يستخدم اسماً مستعاراً لإخفاء شخصيته، وهذا أمر اعتمده الكثير خاصة في العالم العربي.
والأرجح أن مفردة "مدونة" كمصطلح ابتكرها بريطاني اسمه جورن بارجر في 17 ديسمبر من العام 1997، ليصف بها الموقع العائد له والذي يستعمله لسجلاته اليومية، مستخدماً جزئيتي web و log للتعبير عن الموقع. وقيل إن صحفياً من الولايات المتحدة يدعى "جاستن هول" سبقه بالتدوين سنة 1994 أيام دراسته الجامعية، من غير استخدام المصطلح، وقد تحدثت عنه صحيفة نيويورك تايمز واصفة إياه بـ"مؤسس المدونات"، وفي العام 1999 تم تقدير عدد من يدونون على صفحات شخصية بـ50 على مستوى العالم، واللافت أن العدد اقترب من مليون بعد 3 سنوات.
المدونون العرب
قد يكون المدونون في مصر أول من بادر بالتدوين السياسي والمجتمعي الناقد، وعبر مدوناتهم استطاعوا خلق مساحات جديدة من الحرية التي تمكنوا بها من التعبير عن آرائهم، ولم يعرقلهم ما واجهوه من قمع، بل استمروا بتوجيه كتاباتهم لمناقشة الكثير من القضايا السياسية والمجتمعية.
وقد استخدم المدونون في الدول العربية تقنية تدعي "الويب 2"، وربطوا المدونات التي يكتبون فيها بعدد من المواقع مثل فيس بوك، ويوتيوب، وويكيبيديا.. وكذلك بمواقع إخبارية كموقع "بي بي سي" وموقع "العربية. نت" وغيرهما من مواقع. ومن جهة أخرى التفتت إليهم بعض الصحف، ووضعت لهم زاوية لكتاباتهم. كذلك التفتت إليهم الفضائيات الإخبارية.
كما بدأت عمليات رصد المدونين، وما ينتجون من كتابات، ودرجة انتشارهم، وإقبال الناس على مدوناتهم، ومن ذلك رصد أفضل المدونات العربية للعام 2013، الذي جاء كالتالي:
مدونة أحمد ولد جدو، مدونة حبر، مدونة معمل ألوان، مدونة عمر توك، مدونة عالم التقنية، مدون قرأت، مدونة الأصوات العالمية، مدونة انتفاضة المرأة في العالم العربي، مدونة المحترف.
المواطن الصحفي
وتنوعت المصطلحات التي أطلقت حول من يمارسون الصحافة على الإنترنت بأدوات بسيطة من المواطنين، فقيل إنها "صحافة تطوعية"، وقيل "إعلام الهواة" أو "صحافة النحن"، أو "صحافة تشاركية" أو "صحافة تقوم على النقاش" أو "إعلام المصدر المفتوح" وغير ذلك. لكن القاسم المشترك بينها كلها هو أن المواطن يمارس نشاطاً صحفياً بغض النظر عن قدراته وإمكاناته المهنية، أما المضمون فهو باختصار رسائل يوجهها إلى باقي المواطنين.
وعلى الرغم من وجود صحفيين متمرسين في المدونات من ضمن مهامهم متابعة صحافة المواطنين، لكن معظم من يمارس هذا العمل هم من الهواة الذي يحاولون تلمس طرق صياغة الأخبار وآلية صناعة التقارير والتحقيقات الصحفية، وقد يحلم الكثير منهم بأن يصبحوا مراسلين لقنوات فضائية وصحف أو على الأقل مصادر للمعلومات الفورية لتلك الوسائل.
تنبّه وسائل الإعلام
مزايا الموطن الصحفي
أما الميزة الأشد ظهوراً في ظاهرة "المواطن الصحفي" فهي التفات صاحب القرار العربي في بعض الدول إليه، فصار هناك ربط مباشر من غير وسطاء بين الحاكم والمحكوم، مما قاد إلى تطوير وإن كان جزئياً في الصورة الديمقراطية، والعمليات الانتخابية، وبات المواطنون يتحاورون عبر تطبيقات مواقع التواصل مع صناع القرار العرب من الشخصيات السياسية البارزة ذات التأثير في القرار.
التغيير الإيجابي لمصلحة الإنسان
في الختام، تطور دور وسائل الإعلام، لتتحول من مجرد ناقل للخبر أو محلل له، إلى عنصر فاعل في عملية التطوير والتحول والتغيير على المستويين العربي والعالمي، ولم يقف دور مواقع التواصل إعلامياً على تحريك الثورات العربية، وإنما تخطاه إلى مجالات أخرى في الثقافة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية وغيرها .. وهذا ما أسهم بدفع العملية الديمقراطية إلى الأمام في بعض الدول، بعد أن صار بمقدور أي فرد أو مجموعة في أي مكان إنشاء منصة إعلامية والتحدث خارج حدود الرقابة المتعارف عليها، أما الأنظمة المتقوقعة على ذاتها والتي لا تسمح بالنقد أو ترفض التطور ضمن حركة التاريخ الطبيعية، فقد أصبحت الفضاءات المفتوحة تشكل خطراً عليها، وإن لم تتغير بإرادتها، فالمنطق يقول إنها سوف تفعل ذلك مجبرة، فالإنسان العادي بات مدركاً أن لديه إمكانات هائلة يستطيع أن يهز بها أعتى الأشخاص أو الحكومات. وهذا ما يجب أن يعرفه من لازالوا يتخيلون أنهم المصدر الوحيد الذي تتلقى منه الشعوب الأخبار والمعلومات.والأكيد أن "الإعلام التواصلي" بمختلف أشكاله سيكون له دور كبير في التغيير الإيجابي لصالح الإنسان أينما كان، وسوف يكون مؤثراً أكثر مما سبق في جعل الخريطة السياسية تنحرف لما يخدم مصالحه، فما قدمه الناس بما فيهم "المواطنون الصحفيون" عبر مواقع التواصل خلال الثورات العربية، قرع الجرس للجميع منبهاً إلى أهمية التغيير الإيجابي، ووضع خدمة المواطن العادي في مقدمة أولويات الحكومات، ولا مكان في المستقبل للمتقاعسين عن الارتقاء بطموحات شعوبهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.