الصحفي حسن سلطان المازني |
كتب: مازن العليوي
إنه صحفي لكن ليس كأي صحفي.. يحمل عشقاً جارفاً لمهنة المتاعب التي أتعبها قبل أن تتعبه، فانطلق في مفازاتها كجواد جامح منذ نعومة أظفاره، وتابع المسار من دون يهدأ حتى لتشعر أنه لم يترك شبراً يعتب عليه من جنوب المملكة العربية السعودية، سواء في عسير أو جازان وغيرهما.
لم تتسع قرية "المخض" في منطقة عسير لطموحات حسن سلطان المازني الكتابية، فمضى إلى الصحافة التي لم يدرسها في الجامعة لكنه أبدع فيها حتى صار مرجعاً لا يشق له غبار فيها، وتخطى المرجعية ليصبح أكاديمية متنقلة تعلم منها الكثير أسرار الكتابة وأساليب الصياغة وفن التصوير الصحفي والإبداعي، وأخذ كل منهم دربه إلى وسائل الإعلام.
وتختزن الذاكرة أيام كان أبي مازن يركض بنفسه وراء خبر أو تقرير أو تحقيق صحفي، فإن لم يحضر علي مفرّح فالكاميرا الخاصة بالمازني حاضرة، ليلتقط صور الحدث أو المكان أو الأشخاص، وينطلق إلى تحميض الفيلم وطباعة الصور، وأثناء انتظاره في الاستوديو يتصل بالقسم المتخصص في المركز الرئيس للصحيفة في جدة ليحجز مساحة، ويرتب المادة الصحفية بخط يده، وما إن ينتهي من الكتابة وتصبح الصور بين يديه حتى ينتقي منها ما يناسب، ثم يرسلها مع صورة عن المادة إلى جدة بإرسالية جوية آملاً وصولها كي تدرج ضمن العدد قبل الموعد النهائي لاستقبال المواد.. وحتى يكون في الأمان فإنه يرسل نسخة من المادة المكتوبة بالفاكس إلى جدة، فإن لم تصل الصور فالمادة موجودة، وإن لم تكن المادة تحتمل التأجيل، فالصور الأرشيفية قد تفي بالغرض.
وأما سبب سردي لحكاية الإرسالية الجوية والصور والفاكس، فهو أن يعرف الجيل الجديد من العاملين في الصحافة حجم المعاناة التي مرّ بها ذلك الجيل العظيم الذي انطلق في الميدان لا يترك شاردة وواردة متخطياً الصعوبات كلها، تلك الصعوبات التي أصبحت ميسرة لأي صحفي من خلال هاتفه المحمول، فهو يصور به ويكتب مادته ويرسلها بالبريد الإلكتروني مع الصور في زمن لا يكاد يذكر.
كان المازني بمثابة أبٍ أو أخٍ أكبر للزملاء في مكتب صحيفة المدينة في أبها، وفي جعبته عنهم حكايات وطرائف لا تحصى، ومنها على سبيل المثال حكاية يضحك كلما تذكرها، وهو أنه ذات يوم بعد أحد الاجتماعات في مكتب "المدينة" أبلغ الزملاء عن موعد الاجتماع اللاحق الأسبوع المقبل، فقال أحمد سعد آل يحيى: الأسبوع المقبل أنا مريض لا أستطيع الحضور.
وللمازني تجربة صحفية أخرى في مكتب صحيفة المدينة في جازان، لا أحسبها تختلف كثيراً عن تجربته في عسير.
ولو أتينا إلى الموروث، فإنك لا تستطيع إلا أن تصغي لحديث حسن سلطان المازني، وهو يسرد قصصاً قديمة عن بني كذا، أو عن الشاعر الفلاني أو عن لون شعبي، فأسلوبه في الرواية وصوته المميز ووضوح الفكرة تجعل المتلقي يميل طرباً لسحر الحكاية.
وأما "جوحان" فهو سرّ لا يعرفه إلا المقربون من أبي مازن، وفي بعض التفاصيل "كبسات" و"شاي تلقيمة" وجلسات لا تنسى.
لا يتوقف الأمر هنا عند أبي مازن، فقد شدّه حبه الجنوني للموروث بمختلف تشعباته ليقرأ ويتابع ويبحث ويجالس كبار السن فصار أيضاً مرجعاً في مسائل الموروث.
أسرة المدينة والإرسالية الجوية
بمحبته الكبيرة وقلبه النقي استطاع أن يجعل مكتب صحيفة المدينة في منطقة عسير نبعاً من العطاء، تصاحبه مجموعة من الصحفيين والأدباء الذين كانوا يعسكرون معه في مكتب الصحيفة في قرية المفتاحة التشكيلية في أبها، حتى لتشعر أنهم لا يشاهدون أسرهم إلا قليلاً.. فشدني أبومازن مع الرائع أحمد سعد شامي الذي كان أكثر من أخ لي، لأصبح أحد أفراد أسرة المكتب برفقة الكوكبة الجميلة التي ضمت آنذاك يحيى العلكمي وأحمد سعد آل يحيى وعلي جبلي ومحمد العاصمي والفاتح الأمين والفاتح حماد، والمصور المتميز علي مفرّح.وتختزن الذاكرة أيام كان أبي مازن يركض بنفسه وراء خبر أو تقرير أو تحقيق صحفي، فإن لم يحضر علي مفرّح فالكاميرا الخاصة بالمازني حاضرة، ليلتقط صور الحدث أو المكان أو الأشخاص، وينطلق إلى تحميض الفيلم وطباعة الصور، وأثناء انتظاره في الاستوديو يتصل بالقسم المتخصص في المركز الرئيس للصحيفة في جدة ليحجز مساحة، ويرتب المادة الصحفية بخط يده، وما إن ينتهي من الكتابة وتصبح الصور بين يديه حتى ينتقي منها ما يناسب، ثم يرسلها مع صورة عن المادة إلى جدة بإرسالية جوية آملاً وصولها كي تدرج ضمن العدد قبل الموعد النهائي لاستقبال المواد.. وحتى يكون في الأمان فإنه يرسل نسخة من المادة المكتوبة بالفاكس إلى جدة، فإن لم تصل الصور فالمادة موجودة، وإن لم تكن المادة تحتمل التأجيل، فالصور الأرشيفية قد تفي بالغرض.
الفاكس الأعجوبة
في العام 1997 وصل من المركز الرئيس في جدة جهاز فاكس متطور آنذاك إلى مكتب صحيفة المدينة في المفتاحة، وقبله كانت أجهزة الكومبيوتر قد وصلت أيضاً.. وكان أحمد شامي هو خبير ذلك الفاكس الأعجوبة الخاص بإرسال الصور، فالفاكس اختصر مرحلة الإرسالية الجوية. وعلى الرغم من أن أحمد شامي كان يقف بالساعات وهو يرسل الصور، فالصورة الواحدة كان الفاكس حينها يمسحها يميناً وشمالاً مدة تقارب نصف الساعة، إلا أن ذلك الفاكس العجيب خلّص أبا مازن وصحبه من عبء كبير يتمثل في ملاحقة الإرساليات الجوية.وأما سبب سردي لحكاية الإرسالية الجوية والصور والفاكس، فهو أن يعرف الجيل الجديد من العاملين في الصحافة حجم المعاناة التي مرّ بها ذلك الجيل العظيم الذي انطلق في الميدان لا يترك شاردة وواردة متخطياً الصعوبات كلها، تلك الصعوبات التي أصبحت ميسرة لأي صحفي من خلال هاتفه المحمول، فهو يصور به ويكتب مادته ويرسلها بالبريد الإلكتروني مع الصور في زمن لا يكاد يذكر.
كان المازني بمثابة أبٍ أو أخٍ أكبر للزملاء في مكتب صحيفة المدينة في أبها، وفي جعبته عنهم حكايات وطرائف لا تحصى، ومنها على سبيل المثال حكاية يضحك كلما تذكرها، وهو أنه ذات يوم بعد أحد الاجتماعات في مكتب "المدينة" أبلغ الزملاء عن موعد الاجتماع اللاحق الأسبوع المقبل، فقال أحمد سعد آل يحيى: الأسبوع المقبل أنا مريض لا أستطيع الحضور.
وللمازني تجربة صحفية أخرى في مكتب صحيفة المدينة في جازان، لا أحسبها تختلف كثيراً عن تجربته في عسير.
الأمير خالد الفيصل مع أسرة مكتب صحيفة المدينة في عسير عام 1998 (تصوير علي مفرح) |
الصحافة والتصوير والموروث و"جوحان"
في حياة حسن سلطان المازني طقوس لا بد منها، فالصحافة بكل متاهاتها أخذت النصيب الأكبر من حياته المهنية، أما التصوير فقد كان مبدعاً فيه، وهو من مؤسسي نادي التصوير الضوئي في المفتاحة، ولأبي مازن مع التصوير حكايات تروى، وقد سافرت معه أكثر من مرة في رحلة تصوير وكالعادة لا بد من وجود أحمد شامي ليمارس معنا طقوس الجنون، وكل منا يحمل الكاميرا وعدساتها ليغير عند الحاجة، وهناك ترى أبا مازن في تجلياته، فتارة "ينقز" ثم "ينسدح" لنكتشف أنه يطارد فراشة، وتارة نجده يسحب "الزوم" ويغير مكانه باحثاً عن زاوية أفضل من أجل لقطة أجمل، وتارة أخرى تراه وقد وقف يتأمل جذع شجرة باحثاً عن لوحة تشكيلية في خفايا تشققاته، وأخرى يصارع الغيم في أعالي السودة أو يتلمس جدران بيت أثري مفتشاً عن حالة جنونية هناك.ولو أتينا إلى الموروث، فإنك لا تستطيع إلا أن تصغي لحديث حسن سلطان المازني، وهو يسرد قصصاً قديمة عن بني كذا، أو عن الشاعر الفلاني أو عن لون شعبي، فأسلوبه في الرواية وصوته المميز ووضوح الفكرة تجعل المتلقي يميل طرباً لسحر الحكاية.
وأما "جوحان" فهو سرّ لا يعرفه إلا المقربون من أبي مازن، وفي بعض التفاصيل "كبسات" و"شاي تلقيمة" وجلسات لا تنسى.
من الميدان إلى قيادة فريق
المنجز الذي قدمه حسن سلطان المازني للصحافة السعودية كان كبيراً، ومن حقه اليوم - مع جيله من كبار الصحفيين - أن يبرزه الإعلام السعودي، كأحد رواد الصحافة ممن تنقلوا فيها من الميدان إلى مرحلة قيادة فريق صحفي، وربما هناك أكثر من أبي مازن في الإعلام السعودي وكذلك الإعلام العربي، لكن معايشتي لمرحلة ثرية من تاريخ حسن سلطان المازني قادتني للكتابة عنه، وللحق أقول: مازلت أشعر أني لم أعطه ما يستحق من كتابة، فأبو مازن يتخطى كونه قامة إعلامية كبيرة، ليصبح مَعْلماً مميزاً من معالم عسير، ولا يتسع تاريخه مقال واحد.
دائما أنت من أوفى الاوفياء يا أبا بشر دمت مبدعا
ردحذف